وصف المدون

إعلان الرئيسية



 زلزال "تركيا- سوريا"


(ما بين حكمة ومراد الله، وبين التفسير العلمي)

"ورقة بحثية"

الكاتب والباحث: عبد المنعم إبراهيم

حقيقة ما دعاني لكتابة هذا المقال هو مجموعة التساؤلات التي دارت في خلدي منذ أن حدث هذا الزلزال، ومشاهد الدمار الحاصل، ومصير العالقين تحت الأنقاض، وصرخات وإستغاثة الأطفال وكبار السن، لقد كانت مشاهد مؤلمة وقاسية دفعتني للتوقف والتدبر في هذه الحالة، سيما مع بروز بعض الجدل حول المغزى والحكمة، ما دفعني بمحاولة لإيجاد تفسير منطقي لها، ذلك على نحوين:(ديني،وعلمي)

الأول: "الديني" "حكمة الله"


السؤال الذي يطرح نفسه فيما إذا كانت إرادة الله تقتضي هذا الحال من دمار وضحايا، ربما جاز لنا السؤال عن الحكمة وراء ذلك، أهو إنتقام رباني على خلفية معاصي أو ذنوب كما يعتقد البعض، أم أنه "إبتلاء" كما قد يصفونه، أم هو سنن كونية؟
تساؤلات عديدة يصعب معها حصر المسألة في جانب واحد، فإذا ما تم إحالة الأمر الى فرضية العقوبة والإنتقام الرباني، وجعلها قضية إبتلاء، على خلفية جملة ذنوب ومعاصي مرتكبة كما يتم إعتقاده لدى البعض، هنا لي وقفة لنفي هذه الفرضية، بإحدى شواهدها، مذكراً بالحديث الشريف( لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقًا يذنبون، فيستغفرون، فيغفر لهم)، وفيما يتعلق بإستشهاد البعض بالآية {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص ‏من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}، فهذا فهم خاطئ للآية ومعناها، وحصر وتضيق لمسألة " الإبتلاء "، فالإبتلاء في هذه الآية لا يعني الإنتقام أو العقوبة، ولا يعني الجبرية مطلقاً، بل هو سنة كونية، وقانون عام ناظم للبشرية، ويعني( الإختبار) لما قد يحدث لأي إنسان في أمر ما، في شتى جوانب حياته، ما يعني أن أي شخص يتعرض أو قد يستجيب لعوامل أي عنصر من العناصر الواردة في الآية (الخوف، الجوع، الأنفس، الثمرات، الأموال)، فإنه حتماً سيقع في إختبار( الصبر)، لذا نجد الله في أخرر الآية يقول:
{ وبشر الصابرين…}، والصبر هنا لا يعني قتل المشاعر وكتمها، أو وأد التعبير عنها، فهذا يتعارض مع الفطرة التي فطر الله عباده عليها، إنما المقصود هو الصبر على حكم الله المتمثل في قانون "الإبتلاء"، كقانون عام للبشرية، ولا يختص بشخص بعينه، وهذا القانون قد وضعه رب العزة كأي قانون حاكم وناظم لعمل هذا الكون، وهذه البشرية ، تماماً كقانون الجاذبية والسرعة، والرياح، والصواعق..، الذي لو تعرض لها الإنسان، أو أساء إستخدامها لمسته منها ضر، أو قد يهلك، أما الإستشهاد بسورة الزلزلة، ومحاولة البعض تطويع آياتها لتتوافق مع حدث الزلزال الذي حصل مؤخراً في تركيا، أو غيره من الزلازل عبر العالم فهو إستشهاد باطل، وخروج عن المعنى العام والدلالة الزمنية لهذا المقام، فهذه السورة تتحدث عن أهوال يوم القيامة فقط (يَومَئذٍ تُحَدثُ أَخبارها).
قد يقول قائل أن العقوبة والإنتقام الرباني قد وردت في التنزيل الحكيم، وقد نزلت على أقوام سابقه لتهلكهم، إستشهاداً منه بالآية﴿ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [العنكبوت: 40]، هنا أقول والله المستعان أن أحداث الخسف والصيحة والغرق وغيرها قد جاءت لأقوام بعينهم في زمن ما قبل الرسالة المحمدية، ذلك على خلفية الكفر البواح، والعداء الذي ناصبته تلك الأقوام لرسالات الأنبياء والرسل، وإنكارهم رسالات التوحيد، وبقاؤهم على كفرهم وعنادهم.. حينها حدث لهم ما حدث من تلك العقوبات…
أما وقد بعث الله سيدنا محمد برسالتة الخاتمة، وصار الإسلام ديناً شاملاً، وصالحاً لكل أهل الأرض، وبتكليف رسالة سيدنا محمد بالرحمة والهداية والنذير، وجعلها حجة على الناس أجمعين فقد توقفت مشاهد الإنتقام، وخسف الأقوام، وما عاد لها دور وأثر، وعوضاً عن ذلك قد جاءت الرسالة ببيان الجهاد بالحجة والبرهان، وبالموعظة الحسنة {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}.

بناءً على ما سبق يمكن القول أن التغيير سنة كونية شرعها الله وتعني الإنتقال من حال إلى حال مغايرة، وقد عبر رب العزة عن هذا بقوله:{ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ } ما يعني أن هذا التغيير هو قانون كوني لا يستطيع أحد أن يفرض عليه حالة السكون والثبات، وإلا لتوقفت دورة الحياة، وأصبحت موت وعدم لا معنى لها، لأن ذلك مغاير لمراد الله، وعلى هذه القاعدة وهذا القانون فالكواكب تتفجر وتتكاثر وتتوسع، والسماوات تتسع،﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ والأرض تتوسع،(وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ)، وقوله تعالى: (والأرض مددناها)، وعلى ذلك تتوسع القارات على الكرة الأرضية، وتتشكل أُخر، والتاريخ قد أثبت هذه الظاهرة (ظاهرة تشكل القارات وتمددها) ، ولو ركزنا النظر فيما أحدثه زلزال تركيا مؤخراً لراينا أنه يقع ضمن هذا القانون وهذا التعريف، سيما وأن الأراضي التركية بفعل الزلزال قد إنحرفت وتحركت جغرافياً بكاملها نحو الغرب بإتجاه البحر مسافة ثلاثة أمتار، كما وضحته التقارير، وأظهرته الصور، وعليه فقد يكون هذا الزلزال علامة من علامات التغيير الكوني، ومن غير المستبعد أن تشهد أي منطقة زلالزل مشابه، يعقبها تغيرات جيولوجية واسعة، ما قد ينذر بوقوع دمار وضحايا كثر، إذا ما صادف وجود أُناس في مناطق ومساحات الزلالزل.

الثاني: " التفسير العلمي"


بداية: تعتبر الزلازل ظاهرة كما غيرها من الظواهر الطبيعية، ثنائية التأثير على كوكب الأرض، بحيث أنها تمثل أحد عناصر الهدم والبناء للكون المادي، تماماً كالموت والحياة اللذان يسريان على المخلوقات، وهي ظاهرة يخضع لها الكون بكامل مركباته، سلباً وايجاباً، والعبرة من ذلك بطبيعة الحال هي حفظ التوازن على هذا الكوكب، لكي تستمر الحياة بأشكال وأنماط تتوافق مع الواقع الفيزيائي المتغير لهذا الكون الفسيح، المحكوم بقوانين النسبة والتناسب-السرعة والحركة والضوء والتمدد، فقد إكتشف العلماء في هذا المجال أن الكون برمته يتمدد بسرعة كبيره، وأن سرعة تمدده تزيد بشكل منتظم مع مرور الزمن، ولقد إكتشفوا كذلك من خلال دراسات عميقة ومفصلة أتاحتها لهم المراصد الإلكترونية الحديثة أن أي تغير في تمدد الكون، ولو بنسبة ضئيلة، سواء زيادة أو نقصان، سيؤدي إلى استحالة وجود الكون على الصورة التي نراها الأن، فضلاً عن كونه مخالفاً لحسابات الخالق (والشمس والقمر بحسبان) هنا: وفي ظل هذه المعادلة وبما أن الأرض تقع ضمن هذا النظام الكوني، فلا بد لها أن تبقى في حالة توازن مع باقي الكواكب والمجرات الكونية، وتبقى واقعة كغيرها تحت قانون التأثر والتأثير بالمتغيرات، وبالتالي فإن الزلازال تأتي لتجسد هذا القانون، لا لتنتقم من البشر .

(زلازل عبر التاريخ)


لو رجعنا للتاريخ لوجدنا أن الزلازل التي حدثت عبر العصور لم يقتصر أثرها وضررها على عاصي أو مذنب ولا على كافر فحسب ،فأثرها قد طال الجميع، وتسببت في دمار كما باقي المباني- جوامع وكنس ودور عبادة على حد سواء، كان يأمها عُباد، وقد تسببت في مقتل العديد من المصلين من أتباع الرسالات السماوية، وخير شاهد على ذلك زلزال "لشبونه" في العام 1755، الذي لم يفرق بين مسلم ومسيحي، عابد وعاصي، فقد دمر ذلك الزلزال كنس في لشبونه، ومسجد في الرباط على رؤوس قائمي العبادة، أما الزلزال الذي حدث موخراً في تركيا، فقد تسبب في دمار مسجد "يني جامع"، في ملاطية التركية، مساجد عديدة دمرتها الزلالزل في دول عديدة مثل سوريا وايران وغيرهما من الدول، فالزلازل لا تفرق ولا تحابي، ولا تعرف سوى التدمير.

خلاصة:


الكون من سماوات وأراضين وكواكب ومجرات يتوسع بإستمرار سواء بفعل الزلازل، أو البراكين، أو إنفجارات النجوم والكواكب منذ بداية الخليقة إلى يومنا هذا، والكرة الأرضية كواحدة من هذا البنيان الكوني تتبع نفس نظرية التوسعة، وظاهرة الزلازل في باطنها طبيعية تنتج عن سلسلة من اهتزازات أرضية على خلفية حركة الصفائح الصخرية داخل الأرض ، كما يعرفها خبراء الزلازل، وعليه فإن مشاهد الدمار التي تنتج عن ذلك ،والموت الذي يحدث لا تقع ضمن فرضية السخط والإنتقام الرباني إطلاقاً، بل هي نتاج عدة عوامل، منها من ناحية نتاج سوء معرفة وتقدير، وغياب التصاميم العمرانية الملائمة لصدمات الزلازل،(اليابان نموذج) ومن ناحية أخرى قد يكون تهالك بعض الأبنية القديمة، أو قد يكون غش في بنية وتركيبةالبنايات، مما يُحدث الكوارث.
وسيبقى الكون على ذلك الى قيام الساعة.

أختمُ بالقولِ:{وفوقَ كُلِّ ذي عِلمٍ عَلِيم }.


        تابعنا على صفحة " فيسبوك"

             👇👇 


https://www.facebook.com/Dirdctions7

        تابعنا على صفحة " تويتر"

             👇👇 

 

       تابعنا على حساب " تيليجرام"

                     ..👇👇



 

ليست هناك تعليقات

رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button