وصف المدون

إعلان الرئيسية



 


سورة العلق

(قراءة وتدبر )

الكاتب والباحث: عبد المنعم إبراهيم

بداية: 

وجب التنويه الى أن المقصود الأساس لهذا المقام ليس تفسير السورة نصاً ، بل هي محاولة لاستيضاح المعنى العام للسورة، واستخلاص مفاتيحها عبر ثلاثة مفردات رئيسية وردت وهي:(اقرأ، خَلق، عَلق)


المفردة الأولى: "إقرأ"

بالنظر الى السورة كونها نُزلت على سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه مع بداية نزول الوحي، وطلب سيدنا جبريل عليه السلام من سيدنا محمد" القراءة" بصيغة الأمر (إقرأ) يطرح السؤال نفسه، عن حقيقة ومقصود الأمر ، الوارد مطلع السورة، هل كانَ المطلوب قراءة نص مكتوب قد نُزِلَ على سيدنا محمد، أم أن مقصود الأمر "إقرأ" جاء بمعنى ( ردد ) بما يحمل هذا الأمر في طياته من مقاصد "التدبر والتفكر" فيما تًليَ ؟.

(في السياق التالي محاولة للإستيضاح)

بداية: وجب توضيح المعنى العام لمفهوم "القراءة" بحسب ما جاءت به اللغة وذكره بعض المختصين.

القراءة: " في أحد أوجهها" كما يُعرفها أهل اللغة هي: العملية التفاعلية بين المُلقي والمتلقي، وتعني إدراك المُتلقي لمعاني ودلالات النص المُلقى عليه، وبالتالي: وبالنظر الى نص السورة، لو سلمنا (جدلاً ) بأنها نُزلت نصاً مكتوباً، وطُلبَ من سيدنا محمد قراءة نصها، فهذا الإعتقاد مخالف لحالتين مثبتتين _ الأولى: (الأحاديث، والروايات المنقولة) فقد ذُكرَ في هذا السياق أن سيدنا محمد كانَ لا يقرأ، ولا يكتب، وقد جاء للدلاله على ذلك حديث النبي المُدرج في البخاري ومسلم (إنا أمة أمية، لا نكتب ولا نحسب… الخ)، ولو سلمنا (جدلاً ) أن الحديث مطعون في صحته، وأن الرسول كان يقرأ ويكتب، بخلاف ما ذُكرَ ، فهذا يأخذنا للحالة الثانية:( الإستحالة)، ذلك لتعارض هذه (الفرضية ) مع النصٍوص القرآنية، قال تعالى:﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ﴾ [الجمعة: 2]، دليل أخر، قال تعالى﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾[العنكبوت]، فالأية الأولى تبين أن الرسول كان جزءً لا يتجزأ من مجتمع أمي، وبالبتالي هو واحد منهم،, والآية الثانية تبين أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يخط ولا يقراء، ولو كان كذلك لأصبح متهماً بأنه قد خط آيات الرسالة من عنده، وأنه جاء بعلوم نبوته من كتب الأولين، أو قد إتهموه بالسحر.

هنا اثبات أخر على أن ما نُزل على سيدنا محمد كان تلاوةً، وليس نصاً مكتوباً,,, قال تعالى: ﴿وَلَو نَزَّلنا عَلَيكَ كِتابًا في قِرطاسٍ فَلَمَسوهُ بِأَيديهِم لَقالَ الَّذينَ كَفَروا إِن هذا إِلّا سِحرٌ مُبينٌ﴾[الأنعام:7].

مما سبق نخلص الى أن الفعل "إقرأ" الذي أُستهلت به الآية الأولى من سورة العلق لم يأتي بهدف تعليم سيدنا محمد القراءة أو الكتابة، ولم تكن بداية الرسالة بنصوص مكتوبه، بل متلوة، ذلك أن المقام كان مقام تدبر, حيث أن هذا المقام يتجسد قي كلمة "خَلق"، التي سنتناولها تالياً:.

المفردة الثانية: "خَلق"

لطالما خرج المقام عن سياق القراءة، الى سياق التدبر، لا بد من القول إنَّ المتأمل في آيات الله الكونية المنظورة ، من سماء وأرض، وشمس وقمر، وكواكب ونجوم، وليل ونهار، وجبال وأشجار، وبحار وأنهار، وغير ذلك من مخلوقات الله التي لا تعد ولا تحصى، يخلص الى أن رسالة سيدنا جبريل الأولى في(الغار) لسيدنا محمد قد جاءت في مقام الدعوة الى التفكر والتدبر في هذا الكون الفسيح (الحي منه والجماد، أعلاه وأدناه) ليعلم سيدنا محمد أن خلف ذلك خالق بديع، وليَشهد بذلك عظمة الله، ولتعينه على تبليغها للناس من خلال رسالتة التي سيتكفل بحملها {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَـاواتِ وَالأرضِ وَمَا تُغنِى الآيَـاتُ وَالنٌّذُرُ عَن قَومٍ, لاَّ يُؤمِنُونَ} [يونس: 101]،{إِنَّ فِي خَلقِ السَّمَـاواتِ وَالأرضِ وَاختِلَـافِ اللَّيلِ وَالنَّهَارِ لاَيَـاتٍ لأولِى الألبَـابِ} [آل عمران: 190], ليتحقق بكل ذلك مراد "الإيمان والتوحيد"،والإشتغال بعبادة الله، ذلك بطبيعة الحال بعد معرفة هذا الخلق، والإله الخالق.

المفردة الثالثة:﴿عَلق ﴾

من جمال البلاغة في التنزيل الحكيم، حين يتم الإنتقال من السياق العام الى الخاص، فبعد أن أستهلت السورة بالآية أنفة الذكر، جاء قولة تعالى في التالية: ﴿خلق الإنسان من عَلق﴾لتسوقنا كلمة "عَلَق" الواردة في الآيات الى أسرار عميقة تتعلق بخلق الإنسان، وبنية ومراحل تكوينه السبعة، قال تعالى:(وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)،

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ…﴾[ الحج: ].

لقد أشارت الآيات آنفة الذكر إلى أطوار تكوين الإنسان، منذ لحظاته الأولى،(النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة، ثم العظام، ثم اللحم، ثم التسوية والتعديل، ثم نفخة الروح) مروراً بمراحل الحياة، الى أن يصبح كهلاً، ثم تنتهي القصة مع آخر نفس للإنسان في الدنيا.
لكي تكتمل الصورة، ويتحقق لنا فهم أعمق لهذه الآيات، ولطبيعتنا البشرية، لا بد من الإنتقال الى ما أثبته العلم في مراحل التكوين المذهلة، لتبدو الصورة أكثر وضوحاً.

فقد أثبت العلم من خلال الشيفرة النووية للإنسان (DNA)، ما يفتح الباب لتحقيق فهم أعمق لطبيعتنا البشرية، في أدق صورها وتفاصيلها، من حيث الصفات وأطوال البشر، والوان العيون، ونوعياتها ، ونوعية الشعر ، ومراكز الذكاء، والذاكرة، والتفكير، وكذلك الأنساب،و الأمراض الوراثية، والتشوهات الخلقية، والشيخوخة… الخ، فقد عثر في هذا السياق علماء أمريكيون في هذه الشيفرة على طبقة من المعلومات المسؤولة عن جميع الخواص الفيزيائية للإنسان، والتي تنظيم عمل الجينات، التي قد يتسبب الإخلال بعملها بالاصابة بأمراض مختلفة، ووجدوا أن في الحمض النووي للإنسان من الأسرار والمعجزات ما تعجز أكبر العقول البشرية عن فكها.

إن باقي آيات السورة قد جاءت على هيئة بيانات هداية وتوضيح، وبيان نعم الله على الإنسان، ودعوه، ونذير ، ووعيد، أمام مشهد النكران والطغيان والإستكبار.

أخيراً:
لقد كانت سورة العلق بالنسبة لسيدنا محمد بمثابة درس في العلوم الكونية، وفي خلق الإنسان، حيث شكلت له مخرجاً من دائرة الغموض الذهني، أوصلته للإدراك الحسي والعقلي لطبيعة الكون والإنسان، ذلك لتتعزز لديه نظرية المعرفة، كون رب العزة إختارة ليكون نبياً ورسولا، نظريه بالتبعية أعانته على التصديق، وعلى الهداية والبلاغ، وعلى النذير في ذات الوقت، كي لا يكون حجة وعذر لأحد، ولتجعل الإقبال على الله عن قناعة وإدراك بأن خلف هذه الصناعة خالق عظيم، ليتحقق بذلك الطاعة، والعبادة، إمتثالاً لقوله {وما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا ليعبدون}
أحبتي: إن خانني التعبير، فلا يخون أحدكم التفسير، فمَن رَأَى فِي كلامي نَقصاً أوَخَطَأً، فَليـُهدِني الصَّوَاب،
ومَن ڪَانَ لديه علم فَليرشدنَي إِلَيه، فالقدسية ليست للكلمات، بل للمعاني والدلالات الصحيحة، والآثار الطيبة،
الله من وراء القصد
#أفلا_يتدبرون

        تابعنا على صفحة " فيسبوك"

             👇👇 


https://www.facebook.com/Dirdctions7

        تابعنا على صفحة " تويتر"

             👇👇 

 

       تابعنا على حساب " تيليجرام"

                     ..👇👇



 

ليست هناك تعليقات

رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button