المعركة الدبلوماسية…رياح التغيير
(((الجزء السابع)))
8-9-2010م
الكاتب- عبد المنعم إبراهيم
على الرغم من أن الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية لم يكونا يريدا لفترة
الأربعة أشهر من عمر المفاوضات الغير مباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ,أو كما
سميت (مباحثات التقريب),والتي انتهت مدتها فعلياً,أن تحسم بشكل قطعي الجدل الدائر حول
مرجعية المفاوضات المباشرة وجدولها الزمني التي لطالما طالبت بها القيادة الفلسطينية
كأرضية للشروع في هذه المفاوضات,وأرادتا القفز عن هذه الفترة دون النظر لهذه المرجعيات,وإصرار
هذا الثنائي أي إسرائيل والولايات المتحدة التي تساندهم سياسيا على عدم الموافقة على
هذه المرجعيات واعتبارها شروط لا يمكن قبولها ,هذا إلى جانب ممارسة هذه الأطراف ضغوط
هائلة على السلطة الفلسطينية لإجبارها على الدخول في المفاوضات دون مرجعيات تذكر,إلا
أنه يسجل للقيادة الفلسطينية خلال هذه الفترة كما في كل مرة سبقت ,يسجل لها بأنها قد
سجلت عدة نقاط في معركتها الدبلوماسية هذه لصالح السياسية الفلسطينية,لا يجب أن نغفلها,ولا
يمكن لعاقل أن يقلل من قيمتها,فمن ناحية لم يستطع الرئيس الأمريكي خلال لقائه الرئيس
محمود عباس في البيت الأبيض قبيل الشروع في “مباحثات التقريب”,لم يستطع أن يجبر القيادة
الفلسطينية على العودة للمفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين ,وقبل “اوباما” حينها بفكرة
المفاوضات الغير مباشرة أو كما سميت “مباحثات التقريب” التي طرحت وبفترة زمنية لا تزيد
عن أربعة أشهر ,والتي كانت مدعومة بطبيعة الحال من الدول العربية,أما وخلال الأربعة
شهور من عمر “مباحثات التقريب” تلك,فقد حاولت حكومة “نتنياهو”ومنذ الأيام الأولى لها
أن تلعب على وتر أهدار الوقت,وبقيت تطالب القيادة الفلسطينية بالشروع في التفاوض المباشر
مع التلويح الدائم بأن لا فائدة من المباحثات الغير مباشرة,إلا أن القيادة الفلسطينية
بقيت متمسكة بمواقفها ولم تتراجع عن مطالبها,وبقيت ترفض فكرة الانتقال المباشرة إلا
على أسس ومرجعيات العملية السلمية,والجدول الزمني لهذه القضايا مدار البحث,ووقف الاستيطان,ومن
ناحية أخرى فقد استطاعت القيادة الفلسطينية أن تصمد أمام هذا الكم الهائل من الضغوط
التي مورست عليها ,والتي بلغت حد توجيه الرئيس الأمريكي “باراك اوباما” تهديدات مباشرة
للسلطة الفلسطينية وللرئيس محمود عباس ,بقطع المساعدات المالية المقدمة للسلطة الفلسطينية
,والتهديد بمحاصرتها سياسيا إن لم يعدل الرئيس عباس عن موقفة,وبقيت القيادة الفلسطينية
تواجه موجات من الضغوط الإسرائيلية والأمريكية,وبقيت تصر على تحديد المرجعيات والجدول
الزمني كأرضية للانتقال للمفاوضات المباشرة,وطالبت بأن يتضمن بيان الرباعية الدولية
لهذه البنود, ما أثار الدهشة الأمريكية من صلابة الموقف الفلسطيني,والذي أعلنت عنه
صراحة أوساط سياسية أمريكية مسئولة .
من الواضح بان موقف القيادة الفلسطينية السابق المسنود عربيا بعدم الدخول
في مفاوضات مباشرة ,والاكتفاء بلقاءات تقريب “غير مباشرة”لا تزيد مدتها الزمنية عن
أربعة أشهر كان قرار شجاعا وصلبا ,وموقفها اللاحق خلال مسيرة أربعة أشهر بعدم الانتقال
من الغير مباشرة إلى المباشرة دون تحديد مرجعياتها وزمنها والإصرار على وقف الاستيطان,كان
قرارا صائبا وحكيما كذلك,و لم يكن قرارها الأخير بالموافقة على العودة للمفاوضات المباشرة
,مع عدم إغفال حجم الضغوط الممارسة ,إلا نتيجة حسابات سياسية ووطنية دقيقة لا يمكن
لأي عاقل أن يتصور بأنها ستخرج عن نطاق المصالح الوطنية الفلسطينية,كما حاول البعض
إشاعة ذلك,والادعاء بأن القيادة قد تراجعت عن مواقفها ,وأنها ذهبت لتفرط بالثوابت الفلسطينية!!!,معتمدين
بذلك وبكل أسف على الدعاية الإعلامية الصهيونية,في مشهد يذكرنا بالإشاعات والفبركات
التي أشيعت ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات إبان قمة “كامب ديفد” الثانية ,والإشاعات التي
أثيرت كذلك ضد الرئيس محمود عباس ذاته إبان مؤتمر “أنا بولس”, فالقيادة الفلسطينية
وبالرغم من هذه الادعاءات وهذا الضغط ,وهذا الكم الهائل من الإشاعات المركبة لم تغير
من مواقفها,وبقيت على ذات النهج ,وأعلنت مرارا وتكرارا بأن لا تراجع في الموقف السياسي
الفلسطيني الرسمي وان لا تنازلات في الثوابت , وأن قرار الذهاب إلى المفاوضات المباشرة
لا يعني التنازل الثوابت ,بل يعنى البحث عن كل السبل التي من الممكن أن تحقق الأهداف
الفلسطينية ,وأن لا تكون فرصة لحكومة نتنياهو لإفشال هذه السبل,وأن لا يسمح لهذه الحكومة
الصهيونية بخلق فجوة سياسية بين القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولي لا سيما الإدارة
الأمريكية,وأن القيادة الفلسطينية قادرة على نقلهذه المواقف الفلسطينية للساحة الدولية
,وهي متمسكة بالثوابت,فالقيادة الفلسطينية حين وافقت على العودة للمفاوضات,كانت العودة
مبنية ومتوقفة على ما سيصدر في بيان الرباعية الدولية ,الذي تضمن فعليا الإشارة إلى
المرجعيات والجدول الزمني للمفاوضات ,ووقف الاستيطان,ملوحة في ذات الوقت أي القيادة
الفلسطينية بالانسحاب من هذه المفاوضات في حال موافقة حكومة “نتنياهو”على عطاءات استيطانية
جديدة ,أو مارست أي نشاط استيطاني في الأراضي الفلسطينية.وقد جاء التأكيد على هذه المواقف
على أعلى المستويات القيادية السياسية وكذلك على لسان أكثر من مسؤول فتحاوي,وذلك خلال
عدة بيانات وتصريحات كانت قد صدرت,وكما أشار الرئيس محمود عباس إلى ذلك بشكل صريح في
خطابة الذي ألقاه للشعب الفلسطيني الأحد-30-8-2010م , كما وجاءت الإشارة إلى ذلك كذلك
في كلمته خلال مؤتمر افتتاح المفاوضات في واشنطن,في إشارة واضحة منه بأنه يدرك كما
باقي أعضاء القيادة الفلسطينية وحركة فتح خطورة المرحلة ,وحساسية الموقف ,وهاهو الرئيس
الفلسطيني محمود عباس وهو يدرك الشراك السياسية التي تحاول حكومة نتنياهو نصبها للجانب
الفلسطيني,يعي تماما بأنه أمام جولة قد لا تقل قساوة عن غيرها من الجولات السابقة مع
الكيان الصهيوني,مصرحاً بأنه في حال لم تجدد حكومة “نتنياهو”قرار تجميد الاستيطان
,ومارست هذا النشاط الغير مقبول فلسطينياً,وفي حال زاد الضغط عليه ليتنازل في القضايا
الرئيسية والثوابت للشعب الفلسطيني فأنه سيرحل ولن يوقع تنازلا واحدا,ما قد يفتح الباب
أمام حالة مجهولة فلسطينياً,ومعقدة دولياً ,فهل تلقى هذه المواقف السياسية والوطنية
للرئيس عباس والفريق المفاوض أذان فلسطينية صاغية,وتلاقي الدعم والمساندة لا سيما من
بعض التنظيمات والأحزاب الفلسطينية التي تدعي الحرص على الوطن, وذلك لوقف الغول والأخطبوط
الصهيوني من التمدد في الجسد الفلسطيني,وهنا لابد لنا أن نقف لنسجل للتاريخ بأن قاعدة
عريضة من الشعب الفلسطيني وبعض فصائلة واحزابة السياسية قد وقفت وما زالت تقف مواقف
مشرفة ووطنية ,وساندت الرئيس عباس والقيادة الفلسطينية في تحركاتهم السياسية والوطنية,إلا
أن التاريخ سيجل وبكل أسف بأن بعض هذه التنظيمات أثرت إفشال الجهود الوطنية الفلسطينية,وقدمت
في لحظات ما الدعم والمساندة والهدايا المجانية للجانب الصهيوني ليقوي بها مواقفه
.
محطتان قادمتان لن تتعديا الأربعة أشهر القادمة ستكونان حاسمتان في مسار
القضية الفلسطينية لاحقاً ,على الصعيد المحلي والدولي ,وثلاثون يوماً قادمات, حسب ما
صرحت به القيادة الفلسطينية,أو قد يزيد قليل وهي المدة لانتهاء تجميد الاستيطان ,ستكون
المحطة الأولى,حيث سيضع بمجرد انتهائها الرئيس الفلسطيني والقيادة الفلسطينية النقاط
على الحروف,لتتكشف بعدها الكثير من الحقائق والمواقف فلسطينياً وعربياً وإسرائيلياً
وأمريكياً ودولياً,وسيتكشف مستور البعض من هذه المواقف,لتنبئنا بعد ذلك بوجهة رياح
التغيير التي لطالما سعيت طوال حلقات هذه السلسلة تحديد اتجاهها,ومن كان محركاً ايجابياً
لهذه الرياح ,ومن كان سلباً,وفي أي اتجاه حاول تحريكها,هل باتجاه المصلحة الوطنية
,أم باتجاه مصلحة العدو , أما المحطة الثانية وعلى الرغم من أنها ليست بعيد عن مخيلة
الجميع ,إلا أنني سوف أتركها للقارئ ليتنبأ بها .
رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا