المعركة الدبلوماسية…رياح التغيير(8)
الكاتب- عبد المنعم إبراهيم
السبت-28-5-2011م
في الجزء السابق من هذه السلسة ,وهو الجزء السابع(7)كنت قد توقفت عن السلوك
الإسرائيلي في هذه المعركة,وطرق الخداع والمماطلة التي أبدتها الحكومة الإسرائيلية
قبل وخلال وبعد قرار وقف الاستيطان المزعوم أواخر العام 2009م ,وانطلاق المفاوضات غير
المباشرة”مباحثات التقريب” 9-5-2010م,وبينت كيف حاولت إسرائيل اللعب على وتر الوقت,
ونقضت العهود والاتفاقات أكثر من مرة,حيث كانت في كل مرة تعلن التزامها بوقف النشاط
الاستيطاني ,تعود لتزاوله مرة أخرى دون سابق إنذار,حتى بات من الواضح بان هذه الحكومة
كل ما يعنيها فقط هو الانتقال إلى المفاوضات المباشر,لتجعلها غطاء لممارساتها الاستيطانية,وما
ساعدها ودعمها في ذلك بطبيعة الحال هي الإدارة الأمريكية,حيث مارست الأخيرة الضغوطات
و إلابتزازات على القيادة الفلسطينية مهددة أكثر من مرة بقطع المساعدات المالية عن
السلطة الفلسطينية ,ومحاصرتها سياسيا,إن لم تخضع للشروط وإلاملاءات وتنتقل للمفاوضات
المباشرة, ,إلا أن القيادة الفلسطينية وفي مقدمتها الرئيس محمود عباس,كانت قد تحدت
هذا الثنائي المسخ(إسرائيل-أمريكا),وبقيت متمسكة بمواقفها, ورفضت فكرة الانتقال المباشرة
إلا على أسس ومرجعيات العملية السلمية,والجدول الزمني لهذه القضايا,ووقف الاستيطان,وعلى
اثر طرح حكومة”نتنياهو” يوم انتهاء فترة التجميد المؤقت “المزعومة” يوم 26/9/2010 ،عطاءات
لبناء 2712 وحدة استيطانية في الضفة الغربية جُمدت العملية التفاوضية فعلياً حتى يومنا
هذا,غير أن المعادلة السياسية في نظر القيادة الفلسطينية على اثر هذا الجمود الذي كرسته
حكومة نتنياهو وأمريكا قد تغيرت,ولم تقبل ببقاء الوضع على ما هو عليه,فكان لزاما عليها
تحريك المياه الراكدة ,فعزمت القيادة الفلسطينية على الذهاب إلى الأمم المتحدة لاستصدار
قرار بالاعتراف بحدود الدولة الفلسطينية67,وقام الرئيس محمود عباس وأعضاء القيادة بتهيئة
الساحة الدولية لذلك,ومن خلال جولات الرئيس عباس المكوكية على دول العالم ,استطاعت
القيادة الفلسطينية أن تحصد المزيد من الاعترافات بالدولة الفلسطينية , إلى أن شهدت
المنطقة مطلع العام الحالي2011م متغيرين:.
الأول: الثورات الشعبية في الوطن العربي فيما سمي بـ”الربيع العربي”,والذي
سقطت على أثرها أنظمة كانت حليفة لإسرائيل وأمريكا ,وأخرى ما زالت الثورات تحاول دحرها
.
الثاني: إنهاء ملف الانقسام ,وعقد المصالحة الفلسطينية .
هنا قرأت القيادة الفلسطينية خريطة المنطقة بحكمة وتروي,وعزمت على أن
تستثمر هذه الظروف لصالح القضية الفلسطينية .
قد يعتقد البعض بان إسرائيل بتعنتها وتمنعها عن التقدم نحو دفع استحقاقات
عملية السلام مع الفلسطينيين ,وبادراتها الظهر لقرارات وقوانين الشرعية الدولية ذات
العلاقة بالقضية الفلسطينية بأنها قد سجلت انتصارا على الشعب الفلسطيني,وعلى قيادته
ومفاوضيه,فهذا فهم سياسي مغلوط ,ففي السياسة لا يوجد شيء اسمه انتصار مبني على مواقف”تعنت,أو
تحجر أو تمنع”,كالحالة التي تمارسها حكمة “نتنياهو”,إنما الانتصار الحقيقي يكمن في
ثلاث مواطن 1- مقدرة كل طرف على تحصين مواقفة من الانزلاق,وعدم إعطاء الطرف الأخر فرصة
إنزال الخسارة بها,2- مقدرة طرف على إملاء الشروط على الطرف الاخر ,3- القدرة على تحقيق
الاختراقات في المواقف الأخرى,وتوسيع دائرة القبول الدولي بوجهات النظر,وهذا ما لا
لم تتمكن من امتلاكه الحكومة الصهيونية,بل على العكس من ذلك,فقد تمكنت القيادة الفلسطينية
من تحقيق اختراقات عديدة على الجبهة الإسرائيلية,ففي المعركة السياسية والدبلوماسية
التي تخوضها القيادة الفلسطينية مع حكومة “نتنياهو” هناك صورتين مختلفتين,إحداهما على
حق,وتعتمد الوسائل المشروعة,والأخرى على باطل وتعتمد على الوسائل الممنوعة, الصورة
الإسرائيلية القائمة على الكذب والدجل والخداع ,والقوة المتغطرسة ,وإدارة الظهر,وهي
صورة لم تحقق انتصار لا أخلاقي ولا سياسي,والصورة الفلسطينية-القائمة على الحق , وعلى
الصمود والثبات على المواقف,والوحدة والتماسك , وتقوم على قوة القانون والتشريعات الدولية,هي
الصورة التي حققت نصرا أخلاقياً وسياسيا .
* صحيح أن حكومة “نتنياهو” تملكت عرش الكذب والدجل والتضليل ,ومارست سياسة
التهرب من عملية السلام بطرق خبيثة وملتوية,واستمرت في الاستيطان ,حتى في فترة التجميد
المزعومة ,التي صادق عليها الكنيست الإسرائيلي في الخامس والعشرين من تشرين الثاني
للعام 2009م,وانتهت في السادس والعشرين من سبتمبر من العام 2010م,و دأبت إلى وضع الشروط
والاملاءات ،على الجانب الفلسطيني, وخلقت على الدوام الأعذار, وأدارت ظهرها للعالم
,والقوانين الدولية,وهو ما اثبتة “نتنياهو” وحكومتة الفاشية في أكثر من موضع,كان أخرها
,ما جاء في خطابة الأخير في الكونغرس الأمريكي الثلاثاء – 24-5-2011م ,حيث أعلن لاءاته
الثلاث صراحة- لا للانسحاب إلى حدود الـ67،لا لإعادة القدس، لا لعودة اللاجئين,في مقابل
اصرارة على ثلاث- إبقاء المستوطنات ,التواجد العسكري الإسرائيلي على حدود نهر الأردن،
دولة فلسطينية منزوعة السلاح ,ولكن السؤال-هل حققت حكومة”نتنياهو”بسياستها هذه شيء
لإسرائيل على المستوى الدولي,ناهيكم عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية المنحاز لها؟,وهل
استطاعت أن تسجل اختراق ولو واحد في الموقف الفلسطيني؟,هل استشعرت حكومة “نتنياهو”
المتغيرات الإقليمية,وما حدث على حدود فلسطين الشمالية قبل أيام قليلة؟,قطعا لا ,بل
على العكس فهذه السياسة خلفت تراجع لمكانة إسرائيل في العالم ,في العديد من المجالات,
وأصبحت بسببها صورة إسرائيل مهزوزة في نظر الأمم والشعوب,وهذا باعتراف العديد من قادتها
وساستها, وهنا تأكيد على ذلك ما صرحت به السفيرة الإسرائيلية السابقة في الأمم المتحدة
“جابرييلا شاليف” خلال اجتماع عقدته لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الاثنين-16
/ 05 / 2011 إن مكانة “إسرائيل” في الأمم المتحدة في ذروة الحضيض,وما صرحت به رئيسة
حزب كديما “تسيبي ليفني”,بان”بنيامين نتنياهو” يلحق ضررا بالعلاقات الإسرائيلية – الأميركية،
وبأمن إسرائيل، وقدرتها على الردع ,وما جاء على لسان رئيس الوزراء السابق “أهود اولمرت”
في مقالة له في صحيفة “يديعوت أحرونوت” 27 / 05 / 2011 ,بأن سياسة نتنياهو تقود إسرائيل
نحو العزلة,وما جاء على لسان رئيس لجنة الخارجية والحرب “الصهيونية” “شاؤول موفاز”16
/5 /2011م , بأن على إسرائيل أن تدفن رأسها في التراب ,لأنها لا تملك أي مبادرات سياسية
تستطيع أن تواجه بها السلطة الفلسطينية في شهر سبتمبر المقبل,وها هي اسرائيل مقبلة
على عاصفة سياسية ودبلوماسية تتزعمها القيادة الفلسطينية في الأمم المتحدة,ستكشف ظهر
إسرائيل أكثر فأكثر,وستزيد من رصيدها السيئ, في حال إدارة ظهرها لذلك .
* لقد استطاعت القيادة الفلسطينية وحركة فتح برئاسة السيد محمود عباس”ابو
مازن”في معركتها السياسية والدبلوماسية مع الكيان الصهيوني, أن تحسن التعامل مع ملف
المفاوضات في جميع مراحلها ,بحنكة وحكمة بالغتين,ذلك على ثلاثة اصعدة [الدولي-العربي-الفلسطيني],
,فعلى الصعيد الدولي,أثبت القيادة الفلسطينية للعالم اجمع عبر جميع جولات التفاوض مع
الإسرائيليين بأن الفسطينيين متمسكين بخيار السلام ,ولم يديروا ظهورهم لهذا الملف كما
تفعل إسرائيل, وان الفلسطينيين راغبين في التعايش وحسن الجوار على قاعدة الحقوق الشرعية,
وتقرير المصير,وليس كما تمارس إسرائيل سياسة الإقصاء والتطهير العرقي, وقد أبدعت القيادة
في استغلال تطرف الحكومة الإسرائيلية وعدم إنصياعها للقرارات الأممية , لدحض روايت
الأخيرة المخادعة,ولتثبت للعالم بان إسرائيل بإمعانها في مصادرة الأرض واستمرارها في
بناء المستوطنات ,والجرائم التي ترتكبها ,هي من دمر عملية السلام,وعلى مستوى أخر ,ومن
خلال اللقاءات التي يجريها الرئيس عباس والقيادة مع جماعات ورجال الصحافة العالمية,حتى
الإسرائيلية منها,ومن خلال مراسلة المؤسسات الدولية ’قد استطاعت أن توصل الرؤية الفلسطينية
القائمة على الحقوق وتقرير المصير إلى العالم, وان تضيق المسافة ما بين هذه الرؤية
والمتطلبات الدولية,من خلال اعتماد مبدأ تناغم الأداء ما بين الـمستوى الدولي وبين
الـمستوى الوطني مما وفر مقومات الصمود للشعب الفلسطيني,ومكن القيادة دبلوماسيتها الناعمة
بأن تصوب بدقة نحو الدولة الفلسطينية, وكسب المزيد من التأييد والمساندة العالمية للقضية
الفلسطينية,أما على الصعيد العربي-الإسلامي فعلى الدوام كانت تحرص القيادة الفلسطينية
على التنسيق والتشاور مع الدول العربية والإسلامية, وحصنت نفسها بموافقات عربية-إسلامية
في خطواتها التفاوضية,وأخذت الدعم والمساندة لذلك,أما على الصعيد الداخلي فقد حرصت
القيادة منذ البداية على الوحدة الوطنية,ورفضت مبدأ الضغوطات والابتزازات الصهيو أمريكية
,واستغلال التناقضات والخلافات الفلسطينية ,ودافعت عن الوجود الفلسطيني في كل مكان
وزمان ,وفي خطوة من خطواتها المحكمة تمكنت القيادة الفلسطينية ,من إنهاء ملف الانقسام
,4/5/2011م,وان تؤمن بذلك خطوة مهمة من خطوات الفعل السياسي المتقدم , كرافعة للمشوار
السياسي ,استحقاق “سبتمبر”القادم,الذي بات يلاقي الدعم حتى من الأوساط الإسرائيلية
,فقد ذكرت صحيفة هارتس الإسرائيلية الصادرة أمس الجمعة-27 / 5 / 2011 أن أكثر من اثني
عشر من المثقفين والشخصيات العامة الإسرائيلية وقعوا على رسالة يحثوا فيها الزعماء
الأوروبيين على الاعتراف رسميا بالدولة الفلسطينية، في ظل وصول عملية السلام الى طرق
مسدود,وهذا فيه دليل قاطع بان القيادة الفلسطينية بخطابها السياسي العقلاني قد حققت
عديد من الاختراقات والنجاحات على عدة أصعدة وجبهات,وما صدر اليوم في الدوحة السبت
28-5-2011 في بيان لجنة متابعة مبادرة السلام العربية من عزم الجانب العربي التوجه
للأمم المتحدة لطلب الاعتراف بفلسطين ,والعزم على اتخاذ كافة الخطوات وإجراء الاتصالات
اللازمة لحشد الدعم المطلوب من أعضاء مجلس الأمن بما يسمح بصدور هذا القرار,وتحميل
إسرائيل وحدها المسؤولية كاملة عن فشل عملية السلام،فهذا يثبت صحة الرؤية الفلسطينية
المبنية على أهمية العمق العربي والإسلامي,في مساندة القضية الفلسطينية ماديا وسياسيا
كما هو معنويا وإعلاميا .
إن الزمن يسير في غير صالح إسرائيل, ومن يعتقد بانها ستحقق مكاسب في معركتها
هذه مع الفلسطينيين فهو واهم, فإسرائيل تخسر من مكانتها الدولية , يوم بعد يوم, وتقابل
سخط وغضب دولي متزايد ,بسبب الإجراءات التعسفية التي تمارسها على الأرض الفلسطينية,وبسبب
إدارتها الظهر لمتطلبات الشرعية الدولية,ويزداد في مقابل ذلك القبول بالمنطق والرؤية
الفلسطينية .
وما زالت المعركة قائمة .
يتبع
رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا