وصف المدون

إعلان الرئيسية


 

( ورقة سياسية )


الكاتب والباحث / عبد المنعم إبراهيم

على وقع تصميم القيادة الروسية تحقيق أهدافها التي أقرتها لحملتها العسكرية في أوكرانيا، وإصرار القيادة الأوكرانية بالمقابل على الدفاع وصد الهجمات الروسية، مسلحة بالدعم الغربي اللامحدود, يحبس العالم أنفاسه وهو يمعن النظر تارة على جبهة القتال(المستعرة) وأخرى على موائد المفاوضات (المتعثرة) بين الطرفين المتحاربين "الأوكراني والروسي" وما بين هذا وذاك ما زالت المساعدات العسكرية الغربية والأمريكية حتى يومنا هذا تنهال بقوة, وتزايد, وتنوع, على الأوكرانيين ، لتنذر هذه المساعدات بسعي الجانب الأمريكي والغربي انحيازهما (المطلق) للجانب الاوكراني, وسعيهم الواضح لإطالة أمد هذه المواجهة، تنفيذاً لخطة استنزاف القوة العسكرية والاقتصادية الروسية, توطئة الى الإطاحة بالقيصر الروسي الذي أشهر تحديه, لأمريكا والناتو والغرب, على حد سواء, على جبهات أربعة: العسكرية, والاقتصادية, والسياسية, والاعلامية .

فعلى الصعيد العسكري, على سبيل المثال: هناك دعم عسكري أمريكي وغربي, ينهال على الجانب الأوكراني، في مقابل قوة عسكرية روسية، ترى في نفسها ذراع ضاربة، يصعب هزيمتها, وتسير حسب خطط روسية موضوعة مسبقاً, على جانب اخر هناك مسعى أمريكا غربي الى محاصرة روسيا وعزلها سياسياً, لسحب البساط الدولي من تحت أقدام موسكو, وحرمانها من أي صفات تمثيلية في المجالس والمؤسسات الدولية, وحشد أكبر عدد من الدول لتبني قرارات مناوئة لها, واظهارها بأنها وحيدة منعزلة في هذا العالم, أما على الصعيد الإعلامي، هناك جهد غربي حثيث بقيادة أمريكا لمحاصرة الرواية الروسية، ومحاولات شيطنتها، ومنعها من تصدر وسائل الاعلام بجميع تصنيفاتها، من خلال حجب جميع وسائل الاعلام الروسية الموالية للنظام عن منصات التواصل الاجتماعي، و"السوشيال ميديا"، حتى أصبحت الروايات المضللة التي تتبناها أمريكا ومن لف لفيفها، و التقارير المفبركة، والفيديوهات المزيفة سيدة المشهد."بوتشا", و" ماريوبل" , والاحاديث الأمريكية عبر الصحف وتصريحات بعض ساسة البيت الأبيض عن مقتل الجنرالات الروسيين , وأعدادهم ومناصبهم شاهد على هذا المسعى المزيف.

غياب للحقائق, وتضليل إعلامي ورواية ما انفك الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية عن تسخيرها بشكل هستيري لشيطنة روسيا وشحن الرأي العام العالمي ضدها, لتصبح جميعها وقوداً للحرب الدائرة.

أما فيما يتعلق بالحرب الاقتصادية, فخصوم روسيا وعلى رأسهم الإدارة الامريكية يمارسون عليها وما زالوا ضغوطاً اقتصاديةً هائلة من خلال فرض العقوبات, ذلك في محاولات لفكفة قوتها, وتجريدها من عوامل الصمود, ولكن أصحاب هذه السياسة قد اصطدموا مرة أخرى بصمود وثبات الموقف الروسي, وقوة استراتيجياته الاقتصادية, وفشلوا بالتقديرات, وتناسوا بأن روسيا ليست مثل العراق, وليست مثل فنزويلا, فروسيا لديها اكتفاء ذاتي, وتمتلك من قدرات الإنتاج والتصنيع ما يحميها لسنين, وعجزت أمريكا والغرب أيضاً عن قراءة الاحتياطات التي اتخذتها روسيا مسبقاً لمثل هذا الموقف, بل إنهم اصطدموا بجدار الارتدادات السلبية لهذه العقوبات, التي أشعلت فتيل الأسعار وخلخلت موازين المعيشة والاستقرار الاقتصادي العالمي ,حتى باتت هذه الحالة تشكل خطراً محدقاً على الدول المحاصرة(أمريكا-أوروبا), ما دعاهم الى الهرولة نحو إيجاد حلول لدى الدول الأخرى المنتجة للنفط والغاز, لتطويق نار الأسعار الملتهبة, ولكنهم فشلوا في استمالة الدولة المنتجة للنفط لزيادة حصص الإنتاج, الامر الذي بررته هذه الدول بالالتزام بسياسة واتفاقات(أوبك+), ما وجه صفعة على وجه أمريكا وحلفائها, ووضعهم في حيرة من أمرهم .

في ظل هذه التجاذبات والمساعي للإطاحة بالنظام الروسي، هناك ثبات وصمود روسي في هذه المواجهة، التي لم تعد تتمثل في معضلة أوكرانيا بحد ذاتها, كقضية (غزو) على حد ادعاء الغرب، بل أصبحت روسيا في مواجهة الغرب برمته، وباتت مسألة مصير, وأمن قومي بالنسبة لروسيا، فنرى روسيا متمترسة خلف تحقيق أهدافها, رغم كل المخاطر الاقتصادية والضغوط السياسية, ورغم كل الخسائر العسكرية.

فيا ترى ما سر هذه القوة، وما هي الأوراق الغير عسكرية التي تمتلكها روسيا لحماية نفسها، وتمكنها من تحقيق النصر، في معركة تعدت حدود الجغرافيا والسياسة؟

بداية: بعيداً عن تقييم الحالة العسكرية، ووضعية الاشتباك بين الجانبين، والخسائر العسكرية والبشرية في الطرفين, يخطئ من يعتقد بأن العقوبات التي تمارسها أمريكا والغرب على روسيا, والخسائر الاقتصادية التي طالتها, على الرغم من قساوتها, بأنها قد تطيح بالنظام الروسي السياسي ، أو يدفعه للتراجع عن حملته العسكرية, وتحقيق أهدافة التي رسمها لهذه العملية, على العكس من ذلك, فروسيا وبحسب غالبية التقارير, قد استفادت من هذه العقوبات, حيث أن أسعار النفط والغاز التي قفزت إلى مستويات قياسية مقارنة مع الفترة ما قبل العملية, وبلغت خمسة أضعاف منذ مطلع العام 2022 قد حققت لموسكو إيرادات عالية, ومردودات مضاعفة, وأنعشت خزينتها بشكل كبير جداً, فاقت مستوى الخسائر الناتجة عن العقوبات, وربما في هذا المقام يجوز القول بأن روسيا قد استطاعت أن ترد كرة اللهب الناتجة عن العقوبات الى الملعب الغربي, سيما وأنها تمتلك سلاحاً فتاكاً تستطيع أن تضرب به استقرار القارة العجوز, والعالم بأسره(النفط والغاز), فضلاً عن ثرواتها الأخرى, في الوقت الذي تدرك فيه نقاط ضعف البلدان الغربية حيال هذه الثروات, والطاقة التي بين يديها، وحاجات تلك الدول الماسة لها, وعدم قدرة النظام الغربي الاستغناء عنها في الوقت الراهن, وهذا ما يؤكده عدة خبراء اقتصاديين في هذا المجال,على سبيل المثال لا الحصر: الخبير الاقتصادي في مجالي النفط والغاز "فيكتور لاشون"، في حديث للجزيرة نت, حيث صرح بأن أن موسكو التي تصدر لأوروبا ما نسبتة 40% من الغاز,و30%, من حاجاتها النفطية, تدرك نقاط ضعف البلدان الغربية حيال عنصر الطاقة، والهستيريا التي يمكن أن يتسبب بها حدوث ركود اقتصادي تاريخي فيها، معتبرا أنه من غير المتوقع أن تتحمل المنظومة الغربية تبعاته، مما سيدفع صناع القرار فيها إلى العودة إلى التفاوض مع موسكو، منعا لمزيد من التدهور.


اذاً العقوبات الغربية, أو أخذ قرار روسي بوقفة, أو تقليصه سيؤدي إلى خسائر فادحة تتعلق بالاقتصاد والأمن الأوروبي, وسيخلق فوضى عالمية في أسعار النفط والغاز, ما سينعكس سلباً على مستويات المعيشة, والغذاء, والتصنيع, وعلى البورصات ويهدد الاستقرار الاقتصادي للدول, وهذا ما يشهده العالم فعلياً في الوقت الراهن, وعلى جانب ذو صلة, جاء قرار القيصر الروسي " بوتين" في 31/ مارس، القاضي بضرورة دفع دول سماها (غير صديقة) ثمن النفط والغاز بالعملة المحلية (الروبل) ليحصن بهذا القرار من جهة عملته المحلية, ويمنعها من السقوط, ومن جهة اخر ليشكل ضربة لدول الحصار, ويجبرها على كسره, لتنتقل موسكو بهذا القرار من مرحلة الضغوط الممارسة عليها الى مرحلة الضغوط المضادة على البلدان الأوروبية, التي باتت تتهاوى أمام عطشها للغاز والنفط الروسيين, وعدم قدرتها على الاستغناء عنهما في الوقت الراهن, وليعيد بهذا القرار العافية الى العملة المحلية(الروبل),هنا يجدر الإشارة الى أن موسكو قد نفذت فعلياً تهديداتها القاضية بعدم تصدير الغاز للدول التي ستمتنع عن الدفع العملة المحلية الروبل, وذلك بوقف تصدير الغاز لدولتي "بولندا وبلغاريا" بعد رفضهما الدفع بالروبل, مما خلق حالة هلع شديد لدى باقي الدول, خوفاً من فقدان الغاز الروسي, مما حدا بعدة شركات أوروبية للخضوع للمطلب الروسي , والامتثال للنظام الدفع الجديد, الذي فرضته موسكو, بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز", فقد جرى الحديث حسب تقرير "بلومبرغ" عن فتح عشرة شركات أوروبية حسابات لدى "جازبروم" الروسي, والموافقة على الدفع بالروبل مقابل الاستمرار بتدفق الغاز الروسي, من هذه الدول هنغاريا والمجر, فيما أعربت كل من النمسا وإيطاليا وألمانيا عن استعدادهم لسداد ثمن الغاز الروسي عبر الآلية الجديدة , لتمنح هذه الخطوة موسكو القدرة على القفز عن عقوبات الاتحاد الأوروبي, وتعزيز احتياطاتها من النقد الأجنبي, مما سيقوض حسب تقرير صحيفة "الفاينانشال تايمز" عقوبات الاتحاد الأوروبي, ويهدد وحدته ويوفر المليارات للاقتصاد الروسي.
الانعكاس السياسي:

لقد منح الانصياع الأوروبي للدفع بالعملة الروسية موسكو انتصاراً ليس اقتصادياً فحسب, بل انتصاراً سياسياً كذلك, من خلال خلق فجوة وتباينات في مواقف الدول الأوروبية تجاه مسألة العقوبات والحصار, ما سيؤسس من وجهة نظري لاحقاً لنشوء تباينات بين هذه الدول فيما يتعلق بالتعامل مع العملية العسكرية ذاتها في أوكرانيا, وهذا قد يؤسس لتفكك التحالف الأوروبي, ويعطي دفعه لقادة موسكو للاستمرار في العملية العسكرية حتى انجاز الأهداف التي وضعتها لها .

 لماذا ستنتصر روسيا؟


* روسيا ستنتصر لأن مساعي الولايات المتحدة الأمريكية تتفكك شيئاً فشياً في ضمان تحالف غربي متماسك ومستمر ضد روسيا في هذه المعركة، فضلاً عن فشل واشنطن في إيصال صادراتها من الغاز إلى أوروبا، أو إيجاد بدائل عنه، أو خلق حالة تنافسية مع الغاز الروسي، وذلك نظراً الى أن الغاز الروسي بحسب قراءات مجموعة من المتخصصين الاقتصاديين يتمتع بأفضلية سعرية وتنافسية، بحكم الجوار الجغرافي, الأوروبي- الروسي، والبنية التحتية الناقلة.


* روسيا ستنتصر لأنها تمتلك الحبوب, وثروات طبيعية وزراعيه بكل أصنافها, لا قبل لأوروبا والعالم الاستغناء عنها, خصوصاً أنّ البدائل الأخرى التي تبحث عنها أوروبا لا تزال بعيدة المنال, فعلى سبيل المثال: روسيا تمتلك مادة "سماد البوتاس" المستخدم في المنتجات الزراعية، فهي تُعد ثاني أكبر منتج لهذا السماد، وأي وقف او تعطل لهذه الامدادات سيشعل نيران أسعار المواد الغذائية في العالم, أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن، مما سيعطل الإنتاج الغذائي للعديد من العواصم, ما سيعرض الشعوب لخطر المجاعة.


* روسيا ستنتصر لأنها تستطيع الصمود في وجه العقوبات الدولية لأطول مدى ممكن, نظراً لقوة اقتصادها وتنوعه, ومقدرتها على التصنيع الذاتي بمختلف اشكاله, سواء في المجال العسكري, أو الغذائي, أو الدوائي, ما يعني اعتمادها على نفسها ( الاكتفاء الذاتي).


* روسيا ستنتصر لأنها تدرك أن الغرب وفي مقدمته أمريكا لا يستطيعون فرض حظر شامل على منتجاتها، التي يحتاج اليها العالم باسره, فهي تعد من الدول الثلاثة الأكبر في العالم المنتجة للفحم والحديد والألمنيوم والبلاديوم والأسمدة الزراعية والأخشاب والحبوب, فجميعها مواد حيوية وحساسة لا يمكن للعالم الاستغناء عنها.


* روسيا ستنتصر لأنها في (مأمن وتتكيف)


أولاً: " ستبقى روسيا في مأمن من العقوبات الاقتصادية "القاتلة", لأن أمامها سوق مفتوح ( الصين- الهند-ايران-كوريا الشمالية,فنزويلا,,, الخ) تستطيع من خلاله تصريف منتجاتها, في حال زادت واشتدت حدة الحصار عليها, وتوسعت دائرة العقوبات, ما يجعل اقتصادها صامد ومتماسك أمام عواصف العقوبات, التي تسعى أمريكا والغرب الى اغراقها بها.


ثانياً: (تتكيف).

كما تمكنت روسيا من التكيف في ظل العقوبات التي فرضها عليها الغرب بعد استعادة شبه جزيرة القرم في عام 2014, فسوف تتكيف مع هذه العقوبات في حربها على أوكرانيا, وهذا ما صرح به سيرغي مانوكوف، الباحث في معهد الصين للدراسات الدولية المعاصرة.


* روسيا ستنتصر لأن دول الاتحاد الأوروبي لا تمتلك في الوقت الراهن بنية تحتية ناقله للغاز والنفط البديل، الذي يمكنها من الاستغناء عن الطاقة الروسية، حتى لو أراد الغرب فعل ذلك، فانهم كما يخبر المراقبون والاختصاصيون سيحتاجون لسنيين لتهيئة البنية التحتية، وحتى ان هذه الدول لن تستطيع تحمل كلفة أسعار الطاقة البديلة.


* روسيا ستنتصر لأنها تستطيع اغراق مدن وبلدات أوروبية عديدة في ظلام دامس, وذلك بسبب حاجة هذه المدن الماسة للطاقة الروسية, فأي وقف لتصدير النفط والغاز الروسيين, سيغرق هذه المدن والبلدات في الظلام, وسيدخل دول الاتحاد الأوروبي في أزمة اقتصادية عارمة، وأزمة معيشية هائلة,,, في هذا السياق جاء تصريح رئيس المجلس الأوروبي، "شارل ميشيل" بأن العقوبات التي فُرضت على روسيا ستؤثر في أوروبا أيضاً، مشدداً على ضرورة الاستعداد لذلك.


- تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أنّ فرض عقوبات أميركية أو غربية ضد روسيا يمكن أن يُلحق أضراراً كبيرة بالاقتصادات الأوروبية، ولاسيما في قطاعات الطاقة والتجارة والتصنيع والبنوك والأسواق, مضيفة بأن منع تدفق الغاز إلى أوروبا لا يزال الورقةَ الاقتصادية الرابحة لموسكو.



- تقرير لوكالة "بلومبيرغ" تحت عنوان "أوروبا تخشى أن تتضرر اقتصادياً إذا تم فرض عقوبات شديدة على روسيا، في ظل النقص العالمي في موارد الطاقة، لذا لن يكون بمقدور أمريكا وأوروبا توجيه ضربة قاضية إلى صادرات الطاقة الروسية.


* روسيا ستنتصر لأنها تمتلك أحد الشرايين المغذية للمحطات النووية "اليورانيوم المخصب", والذي يدخل كذلك في توليد الكهرباء,,, فروسيا تعتبر موردًا مهمًا لليورانيوم الذي تستخدمه الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض الدول الأوروبية, المانيا واحدة منها, في مفاعلاتها النووية, فأمريكا على سبيل المثال: تستورد من روسيا ما نسبته 20٪ من هذه المادة التي تستخدمها في مرافقها ومفاعلاتها النووية, فكيف لها الاستغناء عن هذه المادة؟! بطبيعة الحال لا يمكن لها الاستغناء عنها في الوقت الراهن, فإذا أوقفت روسيا تصدير هذه المادة لأمريكا, سوف يؤدي هذا الى وقف أنشطة مفاعلاتها النووية لأجل غير مسمى, ما سينتج عنه عواقب وخيمة على الولايات المتحدة الأمريكية, هذا حسب أقوال عالم الفيزياء النووية والطاقة الذرية الروسي / ايغور أوستريتسوف, الذي ذهب الى حد القول: بأنها ستكون "نهاية العصر الأمريكي", في سياق موازي, فروسيا تمتلك ورقة أخرى لا تقل أهمية عما سبق ذكره بالنسبة لأمريكا, فهي تصنع محركات الصواريخ التي تستخدمها وكالة الفضاء الأمريكية " ناسا", لأطلاق مركباتها الفضائية, وأي وقف لتصدير هذه المحركات سيعطل المشروع الفضائي الأمريكي, وسيشل حركة المركبات الفضائية.


* روسيا ستنتصر لأنها تمتلك مادة "البلاديوم" التي تدخل في صناعة السيارات الحديثة، والشرائح الالكترونية، حيث أنها تصدر لدول العالم ما نسبته 40% الى 60% من هذه المعادن، وأي فقدان لهذه المادة سيشكل خسائر كبيرة لهذا القطاع في الكثير من الدول الغربية.


(العملة الروسية)


* روسيا ستنتصر لأنها امتلكت حتى اللحظة القدرة على تحسين وثبات قيمة عملتها محليا, ومنعها من السقوط أمام العملات الأجنبية, فالمراقب لوضع وقيمة هذه العملة في مقابل الدولار الأمريكي حتى اللحظة, وحركة البورصات والسوق العالمية والمحلية, يرى بأنها استطاعت الثبات, ولم تنهار, بل استطاعت روسيا أن تحسن مكانة الروبل في مقابل الدولار الذي يترنح ويتهاوى , حتى أصبحت قيمة الروبل أفضل مما كان عليه في الفترة التي سبقت الحرب, وهذا بفضل الإجراءات التحصينية التي اتخذها البنك المركزي الروسي, الذي استطاع إعادة الاستقرار لهذه العملة, بعدما حدثت لها انتكاسة مع بداية العملية العسكرية 24 فبراير الماضي , فضلاً عن القرار الذي اتخذه الرئيس الروسي "بوتين" 31/ مارس, من ناحية بتسعيرة النفط والغاز بالروبل, وربط الروبل من ناحية أخرى بالذهب, ما يضع الدول المستوردة للطاقة الروسية أمام خيارين: اما الدفع بالروبل, واما بالذهب, وهذا يعني من ناحية, تعزيز لقيمة الروبل, وزيادة احتياطي الذهب الروسي من ناحية أخرى, وبهذا النحو تكون روسيا قد ثبتت عملتها وقوتها, ودعمتها باحتياطي من الذهب, وكذلك أجبرت الدول الأوروبية .على كسرت الحصار المفروض على روسيا, بأي شكل من الأشكال.


* روسيا ستنتصر لأنها تراهن على بيئة تجاذبات وخلافات أوروبية ما بين مناصر لروسيا ومعارض, وما بين من يرى بأنه قادر على الصمود والالتزام بالعقوبات, وبين عاجز وخائف من تداعياتها, فبحسب أقوال وزير الاقتصاد الألماني, حيث قال: أن وقف إمدادات الغاز من روسيا ، ولم تظهر مصادر جديدة ، فلن تتمكن ألمانيا من تدفئة المنازل وتوفير الصناعة,,, وعلينا أن تذكر تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون, حيث صرح علانية في لقاء له, بأن أمر فوز بوتين في الحرب بات أمراً واقعاً (علينا أن نكون واقعيين .. بوتين قد يفوز بالحرب, بوتين لديه جيش ضخم, ولديه هدف واحد)


- روسيا ستنتصر لأنها تراهن على تحركات الشارع الغربي وبعض قوى اليمين المتطرف ضد النخب السياسية الحاكمة, على وقع الارتدادات السلبية للعقوبات على الواقع المعيشي الغربي, وبسبب ارتفاع الأسعار التي اثقلت كاهل المواطنين, ووضعت حياته ومعيشته على المحك.


* روسيا ستنتصر لأن مصالح الشركات الغربية في مرمى التأثيرات السلبية للعقوبات، سيما وأن حجم التبادل التجاري والاستثماري بين روسيا وأوروبا عميق جداً، فهناك على سبيل المثال: بعض شركات أوروبية تعمل في السوق الروسية، مرتبطة بنحو 400 ألف وظيفة, فوقف مهام وأنشطة هذه الشركات سيتسبب بخسائر اقتصادية ليس لروسيا فقط, بل لأصحابها وللدول التي تتبناها, وستزيد من أعداد العاطلين عن العمل .


أخيراً:


في ظل هذا الصراع الذي أنتجته العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا, وظل هذه العقوبات التي أو قعها الغرب على موسكو, وهذه التجاذبات والتباينات في مواقف الدول الغربية, التساؤل الأساسي يكمن في مدى قوة اقتصادات أوروبا من ناحية, وفي القرارات الروسية من ناحية أخرى, فهل هذه الاقتصادات التي لم تتعافى بعد من آثار جائحة كورونا، هل هي جاهزة لمواجهة الدب الروسي, والبقاء في الحضن الأمريكي, وتبعاً لقرارات سيد البيت الأبيض والاستمرار من ناحية في تمويل أوكرانيا عسكرياً ومالياً, ومن ناحية أخرى التخلي عن الطاقة الروسية, وعلى الجانب الآخر: هل ستصمد روسيا وتحقق نصراً فعلياً في هذه المعركة وتحقق أهدافها ؟


- وجهة نظر:

" روسيا"

بناءً على ما سبق ذكره في المقال من معطيات, أستطيع القول بأن روسيا بكل الأحوال ستنتصر في حربها على أوكرانيا, وستحقق أهدافها عاجلاً أم أجلاً, وذلك بأحد ثلاثة سيناريوهات كنت قد ذكرتها في مقال سابق تحت عنوان( روسيا-أوكرانيا- الغرب"المنتصر والخسران" ), وستتعزز مكانة وموقف الرئيس الروسي" فلاديمير بوتين" على الصعيدين الروسي والدولي, وسيتعزز الاقتصاد الروسي ويتعافى مرى أخرى, وستعيد روسيا بعد ان تحط الحرب أوزارها عافيتها, وستشرع القيادة العسكرية الروسية في إعادة بناء منظومتها العسكرية, لتعويض ما فقدته في الحرب, وستعمل على تطوير منظومات هجومية ودفاعية حديثة, وتعززها بأسلحة أكثر تطوراً وفتكاً, استعداداً لمرحلة المواجهة الكبرى " الحرب العالمية الثالثة " مع أمريكا وممن سيتبقى لها من حلفاء ,هنا يجدر الإشارة الى أن استكمال عملية ترميم الترسانة العسكرية الروسية, وتطويرها لن يكون بين ليلة وضحاها, بل سيأتي أولاً بعد تعافي الاقتصاد الروسي من الانزلاقات وتبعات الحرب, وبتقديري قد تحتاج عملية استكمال تطوير الترسانة العسكرية الروسية, بحيث تكون جاهزة فعلياً للمواجهة الكبرى, قد تحتاج الى عقدين من الزمن.


* الولايات المتحدة الامريكية:


في المقابل ستخسر الولايات المتحدة الأمريكية رهانها على استنزاف الاقتصاد الروسي, وأضعاف مكانة روسيا كدولة عظمى مناوئة, وسيسقط الرهان الأمريكي على اخراج الدب الروسي من المنظومة الدولية, على الوجه الأخر, ستشرع أمريكا ( كرهاً لا طوعاً) بعد العُدة لبدء مشوار تراجع هيمنتها, ومكانتها, وستغرق في ورطة الركود الاقتصادي خلال العامين القادمين, وهذا بناءً على تصريحات محللو بنك "غولدمان ساكس", حيث أشاروا الى أن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سيواجه مهمة صعبة لتهدئة التضخم, مع احتمالات بنسبة 35% لحدوث انكماش خلال العامين المقبلين.


هذا يأخذنا لتخيل مشهد انهيار كبير للدولار الأمريكي, ما سيفقد قيمتة محلياً,ودولياً, ما سينتج عنه فوضى عارمة في الواقع الامريكي , مع انتشار الجريمة بشكل ملحوظ, نظراً لصعوبة الحياة التي سيعيشها المواطن الأمريكي.


من المؤكد بأن روسيا وحليفتها الصين في ظل هذه الأجواء ستشرعان بإصدار عملات أخرى لاستخدامها في التعاملات والتبادلات التجارية الدولية, ذلك اذا ما استطاعتا رسم خيوط هذه اللعبة مع حلفائهم بشكل محكم ومتقن, مثل ايران والهند وكوريا الشمالية وفنزويلا,,,, واذا ما تمكنتا هاتان الدولتان من رسم ذلك مع بعض أصدقائهما العرب ذات الوزن السياسي , والوزن الاقتصادي, والنفطي, ستكون الضربة القاضية للعملة الأمريكية, ولكن من المؤكد بأن هذا الأمر لن يحدث بين ليلة وضحها, انما تدريجياً وعلى سنوات متعاقبة, وذلك على ثلاثة أوجه:


1- أن يتم اعتماد عملتي اليوان الصيني والروبل الروسي كعملتان رسميتان في التعاملات, اما فيما بينهما, أو دولياً.


2- أن يتم التوافق بين مجموع الدول التي ستقرر السير في ركب روسيا والصين, على اعتماد جميع عملات بلادها فيما بينها في المعاملات التجارية، بحيث تصبح عملات هذه الدول معترف بها ومتداولة داخلياً.


3- التوافق على خلق نوع من العملات المشفرة بصيغة ما, وشكل معين يتم اعتمادها في التعاملات التجارية بين الدول التي قد تجدها فرصة سانحة للتخلص من هيمنة الدولار الأمريكي.


أخيراً: 


لا يفصلنا الا ساعات معدودة عن شروع روسيا باحتفالات ما يسمونه " يوم النصر على النازية الألمانية" غداً الاثنين- التاسع من هذا الشهر, من المؤكد أن العالم كلة يترقب بحذر ما يمكن أن يحدث في هذا اليوم, الجميع يضع في مخيلته كل الاحتمالات والتوقعات, عما يمكن أن يعلن عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ذلك الاحتفال, ومن المؤكد بأن الكل بات يسرح بخيالة التحليلي , ويرصد توقعاته, وهنا وأنا كمتابع ومهتم بهذا الشأن سوف أرصد بعض الاحتمالات والتوقعات, والتي تتراوح بحسب وجهة نظري ما بين إعلان الاستمرار في العملية العسكرية, وما بين إعلان النصر, وتحديد اطار هذا النصر, وما بين الاكتفاء بالاستعراضات العسكرية, وتوجيه الرسائل, وترك العملية سائرة على ما هي عليه, دون توضيح حدودها .


1- (اعلان النصر)


ربما يعلن الرئيس الروسي بوتين في هذا اليوم عن انتهاء العمليات العسكرية في أوكرانيا, موضحاً بأن الجيش الروسي قد حقق أهدافة العسكرية التي رسمها لهذه العملية, مع الإعلان عن ضم الأراضي الانفصالية "لوهانسك ودونيتسك" في شرق أوكرانيا، وربما عن ضم مدن أخرى يكون الجيش الروسي قد سيطر عليها بالكامل مثل ماريوبل وغيرها, مع بدئ الشروع بتغيير جميع الإجراءات الإدارية والفنية واللغوية هناك, أو الشروع بتنظيم استفتاء في هذه الجمهوريات,,, وبذلك يعلن بوتين تسجيل نصراً روسياً, موضحاً حدود هذا النصر عسكريا وسياسياً وجغرافياً, خلال ذلك, وبكل الأحوال سيتطرق بوتين في خطابة الى كشف حقائق عديدة كانت مخفية على العالم خلال أحداث العملية العسكرية, فيما يتعلق على سبيل المثال: بالمختبرات البيلوجية, وما يتعلق بالضباط والمرتزقة الأجانب الذين القت القوات الروسية القبض عليهم خلال العمليات العسكرية, سواء في مجمع أزوف ستال, أو باقي مناطق العمليات, وربما يكشف عن الدور الأمريكي والغربي في هذه المعركة, وعن نوعية الأسلحة الأمريكية والغربية التي دمرها الجيش الروسي في المعارك, أو تلك التي سيطرت عليها القوات الروسية, من المتوقع كذلك أن يتطرق الرئيس بوتين الى الوضع الاقتصادي الروسي, وحالة الحصار والعقوبات الغربية المفروضة على روسيا, وصموده في وجه العواصف, وكيفية استعادة هذا الاقتصاد عافيته, في مقابل حالة الانهيار التي وصل اليها الدولار والاقتصاد الأمريكي في ظل العقوبات .


2- (استمرار الحرب)


ليس مستبعداً أن يعلن الرئيس الروسي عن استمرار العملية العسكرية، مع دعوته الى اعلان التعبئة العامة, واستدعاء الاحتياط من الجنود, وتجديد الاستعدادات والدعم المادي والبشري واللوجستي لهذه العملية ما يُنذر بإطالة أمد هذه المعركة لأجل غير مسمى, في ظل هذه الأجواء وهذا السيناريو, ستعمد روسيا خلال الاحتفال الى ابراز ترسانتها العسكرية, وقد يظهر في الاستعراضات أسلحة نوعية أو نووية, لبيان قوة وعظمة روسيا في العالم, بحيث تكون هذه العروض كرسالة موجهة لأمريكا والناتو ودول أوروبا, بأن روسيا لن تسمح بتهديد كيانها من أي دولة كانت, وأنها لن تسمح للناتو بالاقتراب من هذه الحدود, وبيان أن روسيا لم تستخدم بعد كامل قوتها وترسانتها العسكرية , وانها ما زالت تحتفظ بالكثير والنوعي منها, ذلك لردع خصومها حتى بالتفكير بارتكاب حماقات تؤدي الى مواجهة شاملة, قد تأكل الأخضر واليابس.

الحقيقة لا احد يعلم بالضبط حدود ما يمكن ان يحدث في هذا اليوم, وما يمكن ان تفعله روسيا تحديداً, أو تعلن عنه, ولكن يبقى الباب مفتوح أمام القراءات والاحتمالات مطروح وممكن, على الرغم من أن بعض المؤشرات والقراءات العسكرية في الميدان, وتسارع الجيش الروسي الواضح في انجاز السيطرة الكاملة على مدينة " ماريوبيل" والشريط الساحلي الجنوبي برمته, بدءاً من "ماريبول" في الجنوب الشرقي لاوكرانيا, وصولاً الى مدينة "أوديسا" في الجنوب الغربي, فضلاً عن السيطرة الكاملة على الحدود الشرقية لأوكرانيا, تنبئ بأنه قد يكون احتفال يوم النصر على النازية, هو ذاته يوم اعلان النصر على أوكرانيا وامريكا والغرب, ويوم اعلان تحقيق الأهداف الروسية, التي سيوضحها الرئيس بوتين في خطابة الشهير, وبهذا الشكل تكون صفحة الهجمات العسكرية الروسية قد طويت, لتشرع روسيا بمعركة البناء والاعمار, مع بقاء الباب مفتوح أمام معركة التصدي لبقايا جيوب العناصر الراديكالية( كتيبة أزوف, ومن يسيرون في ركابها) واحتمالات لهجمات وضربات أوكرانية قد تكون خاطفة ومربكة, لطالما استمر الدعم العسكري الغربي للجيش الأوكراني.


سيبقى الباب مفتوح على كل الاحتمالات, وستبقى التحديات أمام الروسين قائمة لما بعد هذا اليوم.


تابعنا على هذه الصفحات

   👇👇👇👇👇     

       

  • Facebook
  • Facebook page
  • twitter
  • YouTube
  • Telegram
  •  

    ليست هناك تعليقات

    رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا

    إعلان أول الموضوع

    إعلان وسط الموضوع

    إعلان أخر الموضوع

    Back to top button