وصف المدون

إعلان الرئيسية



فرضيات المنافسة والمواجهة بين القوى العظمى


 دراسة تحليلية " تاريخية

الكاتب والباحث/ عبد المنعم إبراهيم

21/3/2021
{ بسم الله الرحمن الرحيم }


[تقديم]

تسلط هذه الدراسة الضوء على فيروس كورونا "covid-19" الذي اجتاح العالم منذ مطلع العام 2020, والذي مس أذاه الأفراد, والجماعات , والمجتمعات, والكيانات, والدول على الكرة الأرضية قاطبة, دون التمييز بين الأعمار ,والأجناس ,أو الجنسيات, ودون التمييز بين الأعراق والألوان , وحتى أنه لم يفرق أو يميز بين أصحاب المذاهب والديانات السماوية, فقد أصاب هذا الفيروس, الكافر, والهندوسي, والمسيحي, واليهودي, والمسلم على حد سواء / بأذى معنوي, ونفسي ,ومادي, وحرم الغالبية العظمى من سكان العالم من حرية الحركة, وأجبرهم على البقاء في منازلهم تحت مسمى " الحجر المنزلي " سواء الطوعي أم الإجباري- وأجبر آخرين كانوا قد أصيبوا به بشكل مباشر على الحجر داخل غرف المراكز الصحية المقامة وداخل المستشفيات الحكومية, وفرض على الجميع الالتزام بقواعد التباعد المجتمعي وأخذ الاحتياطات وإجراءات السلامة حتى داخل الأسرة الواحدة ,وبين الأصحاب, والخلان . ستتناول هذه الدراسة الأثار الجانبية لهذا الفيروس على الاقتصادات بشتى أشكالها سواء اقتصادات الأفراد أم المجتمعات, أم الكيانات, أم الاقتصادات والدخول القومية للدول, وآثاره على العديد من القطاعات الحيوية للدول , مثل قطاع الطيران , والسياحة ,والفندقة, وعلى الطاقات الإنتاجية والصناعية المركزية لتلك الدول . ستركز هذه الدراسة على مستوى التهديد لمكانة ومستقبل تلك الدول - الإقليمي والدولي , سيما العظمى منها (محور هذه الدراسة ), وسترصد الوجه الجديد المتوقع للعالم في أعقاب هذه التداعيات ,وسترصد كذلك فيما إذا كانت معادلة الهيمنة الأُحادية المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية ستتغير تركيبتها على إثر هذه الجائحة أم لا, هذا لو سلمنا جدلاً أن الأخيرة ستسمح أساساً بقلب موازين القوى الدولية, التي قد تودي بعرشها الذي تربعت عليه منذ عقود, أو أن يتسبب في دفعها للخلف خطوات, مع تسجيل ثلاث فرضيات في هذا الجانب :


1- فرضية المواجهة : 

الأمريكية مع " روسيا- الصين" ,كون الأخرتين دولتين عظمتين" حليفتين ومنافستين" لأمريكا, وباحثتين عن موطئ قدم على سفينة القيادة العالمية . 

2- فرضية الشراكة والتقاسم : 

على أُسس تُسهم في تعزيز النفوذ الدولي المشترك . 

3- فرضية التنافس المستمر

دون حدوث المواجهة-على أقل تقدير في العقد أو العقدين المنظورين . 

هذه الفرضيات الثلاثة تطرح تساؤلات عن توقيت هذا التحول , وعن المناخ الملائم, والعوامل لحدوث ذلك, وفيما إذا كان الأمر سيسير بخطوات متسارعة أم ستكون تدريجية عبر سنوات وعقود قادمة, أم أن موجة التصارع والتنافس ستعجل من حدوث ذلك ؟؟؟ .

 ستركز الدراسة على العلاقات الأمريكية – الصينية خلال العقود الماضية وصولاً إلى وقتنا الراهن 2021م، ورصد محاور الخلاف والتنافر بينهما, والقضايا الأساسية التي شكلت محور هذه العلاقات , سواء التوافقية منها, أم التنافسية, من خلال ثلاثة أبعاد/ هي على النحو التالي : 


1- البعد السياسي 2- البعد التاريخي 3- البعد الإقتصادي . 


وثلاث محطات تاريخية / كان عقبها قد تشكلت المنظومة الدولية, وهي على النحو التالي :


1- الحرب العالمية الأولى 2- الحرب العالمية الثانية 3- الحرب الباردة.


كل ذلك يأتي في سياق المقارنة والاستدلال, وليس بهدف السرد التاريخي, ذلك من خلال رصد المتغيرات الدولية في أعقاب كل محطة, وأثار ذلك على النظام الدولي, ومقارنة ذلك بأحداث الواقع الحالي, لنرى إذا ما كان الحاضر سيستنسخ من تلك الأحداث مشاهد ما, وبيان إذا ما كانت مقاعد القيادة الدولية ستتبدل وتتغير, كما تبدلت سابقاً في أعقاب كل حدث دولي كبير, أم ستبقى كما هي, سيما وان قوى فاعلة ومؤثرة في العالم سياسياً وعسكرياً واقتصادياً كالصين الشعبية, وروسيا الاتحادية أصبحت حاضرة في المشهد, وبقوه, وعلى الدوام هذه القوى في سباقات على الريادة . سترصد هذه الدراسة المدى الزمني للأحداث, والتفاعلات المرتقبة, كما وستسلط الضوء على الجذور التاريخية للتنافس والخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية, والصين الشعبية من جهة, وخلافاتها مع روسيا الاتحادية من جهة أخرى . سيخصص جانب من الدراسة لقراءة البعد " الديني ", وذلك لتسجيل الآراء والانطباعات المتباينة في ظل جائحة " كورونا "والسلوك العام للمجتمعات والأفراد, وآراء بعض النخب والعامة, وتسجيل مقاربة لوجهة النظر الشرعية حول الآثار والتداعيات لهذه الجائحة, وفيما إذا كان هناك آيات دالة على " التدخل الرباني ".


 

" تمهيد "
 


الحقيقة أن الكائن الغريب المسمى "فيروس كورونا", الذي أثار الرعب في صفوف البشرية جمعاء بانتشاره مطلع العام الماضي بزمن قياسي مخلفاً بذلك خسائر فادحة في الارواح البشرية, وفي ثروات البلاد, والعباد, والكيانات, وأوقف العالم برمته على قدميه, وجعل دولاً ضعيفة تشكو وتُبدي مخاوفها من مستقبل مجهول, ودولاً أخرى محسوبة على العالم بتميزها المعرفي والتكنولوجي على المحك, بفعل عجزها عن مجاراة هذا الفيروس, أو محاصرته, أو حتى معرفة مكوناته وماهيته, وشل اقتصاداتها, وأجبرها على وقف التصنيع, ووقف عجلة الإنتاج, ووجه ضربات قاسمة للقطاعات المختلفة, وكل ما له علاقة بالتنمية والدخول القومية, حتى بات واضحاً أن بعض هذه الدول واقع تحت مقصلة المصير المجهول, ما يعزز فرضية فكفكة تحالفات وكيانات قائمة منذ عقود كـ( الاتحاد الاُوروبي ) الأكثر عرضة لذلك, واضعاً بعض الدول الضعيفة, بين فكي الاستدانة والابتزاز من دول كبرى وذات وزن اقتصادي مشهود له, ومن مؤسسات دولية عملاقة, تتحكم فيها رؤوس أموال وجماعات ثرية لها ميول وتحالفات مع دول صاحبة نفوذ, ما قد يمنح الجهات والدول الدائنة هيمنة على الدول المستدينة وعلى سياساتها وقراراتها, ويوقع الدول المستدينة في شرك الاستسلام للدول الدائنة, التي تطمح الى استثمار هذه الجائحة . لقد وضعت هذه الجائحة جميع الدول تحت مقصلة الخوف, والريبة, ودفع غالبيتها, خاصة المتقدمة منها للإسراع في البحث عن لقاح لهذا الوباء, والخلاص من تداعياته, كما يقول المثل: قبل ما تقع ( الفأس في الرأس ), فيا ترى حتى يتم الوصول للحظة الخلاص من هذا الوباء كم من البشرية سيبقى في غفوة الألم والوجع, وكم سيفارق الحياة, وكم منهم سيستفيق من الآمه وآهاته؟, من سينجو يا ترى, ومن سيغرق من الكيانات والدول؟. لتأخذنا هذه الحالة إلى السؤال فيما إذا كانت لهذه الجائحة دلالات دينية تعكس إرادة الله ومشيئته في التدخل ؟ كل ذلك سيتم تناوله من خلال القراءات التالية :



القراءة السياسية 


في هذه القراءة سيتم رصد ملامح السلوك السياسي المتعارف عليه في العلاقات الدولية, كما وسيتم تناول هذا السلوك بين النخب الحاكمة في العالم, وبين معارضيها في ظل "جائحة " كورونا", والكيفية التي استخدمت بها غالبية هذه النخب هذه الجائحة, لتحقيق أغراض سياسية كانت قد عجزت عن تحقيقها سابقًاً, مع خصومها, سواء محلياً, أم الخصوم الدوليين, حيث تم توظيف "الجائحة" أداة من أدوات الصراعات والمعارك السياسية, فقد اعتبرت بعض الدول أن هذا الفيروس سلاحًا بيولوجيًّا تم تصنيعه عمداً للإطاحة ببعض الدول الأخرى, كالادعاء الذي ساقه الرئيس الأمريكي السابق"دونالد ترامب" بداية ظهور الجائحة, لتكشف هذه الحالة, وهذه الادعاءات حجم الهوة والعداء الدفين بين الخصوم الدوليين - الولايات المتحدة الأمريكية والصين الشعبية وروسيا الاتحادية, وكوريا الشمالية, والجمهورية الإيرانية, هذا إلى جانب الإشارة إلى أن هذا التوظيف لم يقتصر على المستوى الدولي فقط، بل تجسد كذلك من قبل الخصوم داخل الدولة الواحدة, وذلك ضد المعارضة والخصوم السياسيين للخلاص منهم, وفي المقابل لابد من الإشارة كذلك الى أن المعارضة قد لجأت الى استخدام نفس الأداة " الجائحة" لمناكفة الأنظمة . من الجدير ذكره أن هذا الفيروس مع بلوغه أغلب أرجاء الكرة الأرضية قد خلق حدثاً كونياً طال القطاعات, والكيانات, والشرائح العديدة في العالم, ونال من أركان عديد من الدول, وهدد مستقبل كثير منها, ما خلف حالة من الهلع والإرباك عند بعضها وفقدان السيطرة عند بعضها الآخر, ما ترتب عليه حالة من التوظيف السياسي والحزبي, كما وأن هذه "الجائحة" قد أجبرت الدول على الخضوع لامتحان القدرات, وكشفت آليات التعامل والقدر والمستوى الذي حققه كل من رؤساء تلك الدول, والقائمين عليها في قراءة الحالة ومدى تفاعلهم معها, لتظهر أن بعضهم كانوا صائبين في قراءتهم منذ اللحظات الأولى للحالة, وسباقين لأخذ إجراءات السلامة والتدابير اللازمة للسيطرة عليها, والحيلولة دون تفشي المرض, كدولة فلسطين على سبيل المثال, التي كانت الدولة الاولى بعد الصين في إدراك مخاطر الحالة, حيث أعلنت القيادة الفلسطينية حالة الطوارئ وأخذ التدابير اللازمة لمحاصرة هذا الوباء, كذلك المملكة الأردنية الهاشمية, التي اتخذت التدابير السريعة والصارمة للحد من تفشي الفيروس, وبعضهم قد تلكأ في القراءة ما جعلهم لاحقاً هائمين على وجوههم كما حدث مع بعض دول الاتحاد الأوروبي, لا سيما إيطاليا وإسبانيا وغيرهما, والبعض الآخر قد طغى على قراءته البعد الاقتصادي النابع من المصالح الشخصية كالرئيس الأمريكي السابق" دونالد ترمب " ما أوقع نفسه وشعبه في شر كبره وعناده ,وفي شرك ( تفشي الوباء) .


 توظيف " الجائحة " 


 في هذا السياق سيتم رصد حالات الاستخدام والتوظيف للجائحة من قبل أنظمة الدول الحاكمة والمعارضة على حد سواء. 


1- الجائحة : سلاح النظام في وجه المعارضة .

لقد وجدت بعض الأنظمة في "جائحة كورونا" فرصتها لإحكام السيطرة على كل شيء على أرض الدولة, وفتحت الباب أمام السلطات التنفيذية مزيداً من الصلاحيات التي تعزز وتمتن مواقعها, وأعطاها مساحة أكثر لبسط سيطرتها على كل شيء, ومكنت الحاكم من إحكام قبضته على كل مفاصل الدولة, وبالتالي استغلت بعض هذه النظم هذه الإجراءات لإلجام المعارضة داخل الدولة, والحد من تحركاتها ونشاطاتها, ومنحت النظام هامشاً كافياً لاجتثاث السلوك السياسي المعارض, أو على أقل تقدير تعطيله ولو مؤقتاً. السلوك الذي ارتأت بأنه يقض مضاجعها، مستخدمة بذلك جملة القوانين والقرارات التي أعطت النظام صلاحية إعلان حالات الطوارئ واستخدام التدابير الصارمة على الأرض, ابتداءً من الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي, وتقييد حركة المواطنين, وإغلاق العديد من الأماكن العامة, ومنع التجمهر, وحظر التجوال الليلي في بعض الأماكن, ونشر وحدات الشرطة, والجيش لتنفيذ هذه القرارات، وذلك بذريعة حماية الشعب, والحفاظ على المصالح الوطنية, والتصدي لما أدعى بأنه التحدي الأعظم الذي تواجهه الدولة بسبب الجائحة, وهنا يبدو من الإنصاف القول أن إجراءات بعض الدول في التعامل مع الجائحة, وإن كانت ملامحها صارمة إلا أنها بدت فعلياً تهدف للخلاص والسيطرة على " الوباء " الذي استنفذ موارد الدولة البشرية والمادية, وهدد مستقبلها, بعيداً عن المساس بالمعارضة أو ملاحقتها. لقد جاءت المخاوف من سطوة بعض الحكام في التعامل مع هذه القضية من أكثر من جهة دولية, فقد أعربت مجموعة من خبراء حقوق الإنسان الأمميين من خلال تصريح قد أصدرته بتاريخ 16 مارس/آذار 2020, عن مخاوفها من استخدام بعض الدول حالات الطوارئ القائمة على تفشي فيروس كورونا ذريعة لاستهداف المعارضة, أو لقمع بعض الأفراد أو الأقليات أو الجماعات, لافتة الى أن عدد من الحكومات قد اتخذت فعلياً تدابير صارمة وقمعية ضدّ الصحفيين، ومنعتهم من ممارسة حرية التعبير، مضيفة إلى أنه حتى بعض العاملين في مجال الصحة في بعض الدول لم يكونوا في مأمن من هذه المضايقات ولم يسلموا من هذا القمع, وهنا سوف يتم رصد بعض من هذه الحالات القمعية في بعض الدول.

بداية السطوة والإجراءات القمعية

الصين :


 

لقد بدأت هذه الإجراءات القمعية ومطاردة الصحافة في ظل " جائحة كورونا " في الصين حيث إن السلطات هناك مارست قمعاً لحريات التعبير وحريات الصحافة, ولاحقت المراسلين الأجانب الذين حاولوا بادئ الأمر تغطية أخبار الفيروس وقامت بطرد بعضهم, لا سيما المراسلين الأمريكيين العاملين لصالح صحف "نيويورك تايمز"، و"وول ستريت جورنال"، و"واشنطن بوست", تحت ادعاء أنهم ينشرون أخباراً مضلله, وأن الولايات المتحدة الأمريكية هي من نشر الفيروس, وكانت الحكومة الصينية قد احتجزت كذلك أشخاصا بذريعة نشر تقارير عن الوباء على وسائل التواصل الاجتماعي، مدعية بأنهم "يروجون الإشاعات"، وفرضت رقابة على النقاشات المتعلقة بالوباء على الإنترنت، وكبحت جماح وسائل الإعلام ومنعتها من التغطية, وفي هذا الجانب فقد تم استدعاء الطبيب " لي وينليانغ" مطلع يناير/كانون الثاني, وهو طبيب في مستشفى " ووهان " من قبل الشرطة الصينية متهمة إياه "ترويج الإشاعات"، بعد أن حذّر هذا الطبيب من الفيروس الجديد خلال دردشة كان قد أجراها على الإنترنت, مع الإشارة إلى أن هذا الطبيب قد توفي مطلع الشهر ذاته فيما قيل بأنه بسبب إصابته بالفيروس. في إيران التي ردت على ادعاءات الولايات المتحدة الأمريكية, متهمة إياها بأنها من نشرت الفيروس داخل أراضيها من خلال أمريكيين كانوا قد دخلوا للبلاد, فقد مارست نفس الدور القمعي, وقمعت المحتجين ضدّ الحكومة, والذين شككوا بالأرقام المعلنة حول أعداد المصابين والوفيات واتهموا السلطات بالتقصير وإخفاء الحقائق حول الفيروس المنتشر داخل الأراضي الإيرانية . 


العديد من الانظمة قد مارست نفس السلوك وهذه المطاردات, سيما البلدان التي شهدت تظاهرات واحتجاجات ضد الفساد والظلم السياسي.

لبنان والعراق: 


حيث وجدت الطبقة السياسية الحاكمة هناك أن الجائحة, وما ترتب عليها من مخاطر فرصة لإعلان حظر التجمهر والتظاهرات, ودعت لوقف الاعتصامات التي كانت تنادي بالإصلاح والقضاء على الفساد والطائفية . 


أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا:


(فنزويلا و تشيلي وتايلاند والفلبين),سارت على نفس النهج,فقد مارست النظم السياسة الحاكمة في هذه الدول القمع والمطاردة لكل المحتجين والمطالبين بالعدالة الاجتماعية, والسياسية, مستغلة بذلك الجائحة للدعوة لوقف كل أنواع الاحتجاجات، وقامت بعض هذه النظم بسجن المعارضين السياسيين, والإعلاميين وحتى بعض العاملين في قطاع الصحة, وكل من لا يلتزم بالقرارات المعلنة من قبل النظام الحاكم, ففي تايلند مثلاً واجه بعض العاملين في قطاع الصحة العامة, وصحفيون كانوا قد تحدثوا على الإنترنت عن ملاحقات قضائية انتقامية من السلطات بعد أن انتقدوا أداء الحكومة، وكانت السلطات هناك قد حذرت الصحفيين من إجراء أي مقابلات مع الأطباء أو المختصين حول جائحة كورونا, وفي الفليبين- كما أشار بعض المختصين- قد استغل الرئيس "دوتيرتي" الجائحة وطلب من برلمانه صلاحيات جديدة ليتسنى له معاقبة كل من ينشر معلومات فيما يقول إنها "غير صحيحة" ليرسخ بذلك مفهوم الترهيب الإعلامي والسياسي . 


تركيا:

 لقد تعرضت السلطات التركية لانتقادات داخلية وخارجية حادة بسبب مطاردتها من ينتقدون الإجراءات التي اتخذتها السلطات في مواجهة الوباء, فقد عمدت السلطات إلى ملاحقة الصحفيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي, وكل من يتحدث عن إجراءات النظام في التعامل مع جائحة كورونا وذلك بذريعة بث الشائعات, وقامت وزارة الداخلية التركية بتوقيف مئات الأشخاص كانوا قد كتبوا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي بهذا الصدد , فيما لم يجرؤ غالبية الأطباء على التحدث بأريحية وصراحة عن فيروس كورونا, هذا ما قاله عضو نقابة الأطباء التركية " سركيزوغلو" مضيفاً بأن إخفاء الحقائق والاحتكار هي الطريقة التي يتم بها الحكم في البلاد. 


في إسرائيل :

أصبح فيروس كورونا لاعبا رئيسيا على مسرح الحياة السياسية, فقد استخدم رئيس وزرائها " نتنياهو" الجائحة ذريعة لتجاوز فشله السياسي وفرض إجراءات تحقق سعيه لتشكيل حكومة وحدة, وهذا ما نجح في تحقيقه فعلياً, حيث استطاع إضعاف وتفكيك المعارضة ما أسهم في انشقاق "بيني غانتس" الذي كان يرأس حزب" أزرق أبيض" لينضم لاحقاً إلى ائتلاف نتنياهو, ومن ناحية أخرى فقد وجد نتنياهو بالظروف التي أفرزتها جائحة كورونا فرصة للدفع باتجاه تأجيل محاكمته في قضايا الفساد المتهم فيها منذ سنتين, كما سعى الى استغلال الظروف الدولية في ظل جائحة كورونا, لتمرير خطة " الضم " التي أعلن عنها ووعد بتمريرها في الأول من يونيو عام 2020 التي من خلالها سعى للسيطرة على غور الأردن, وشمال البحر الميت, وجميع المستوطنات في الضفة الغربية, واعتبارها جزءاً من إسرائيل ,ويطبق عليها القانون الإسرائيلي, إلا أنه وحتى كتابة هذه الأسطر لم يستطع تنفيذ ما وعد به, وذلك لشدة المعارضة الفلسطينية والعربية والدولية التي واجهها في هذا الاتجاه, حتى أن جملة عوامل وتناقضات داخل إسرائيل حالت دون تنفيذ هذا القرار, تجلت ما بين معارض على التوقيت ومعارض على فكرة الضم رزمة واحدة أو جزئية, وما بين معارض للفكرة بحد ذاتها, وذلك على قاعدة أن الضم سيسمح بقيام دولة فلسطينية على ما تبقى من أراض , وهذا ما يرفضونه. 

في روسيا :

استغل الرئيس" بوتين " الجائحة وطالب البرلمان بتوسيع دائرة المراقبة بما يُتيح للسلطات استخدام الأجهزة التي تتعرف على ملامح الوجوه لرصد المخالفين لتعليمات الحجر الصحي, فيما يعني شل قدرة المعارضة على تنظيم احتجاجات، كما طالب بإلغاء القيود الزمنية المفروضة على خدمة المسؤولين الكبار، بمن فيهم الرئيس، ما يعني بقاء بوتين وبعض رموزه في الحكم إلى أجل غير مسمى, وكان الرئيس بوتين قد دعا لإجراء استفتاء في البلاد الخميس 25/6/2020 تنص بنوده على تعديلات دستورية يتخللها العديد من التغيرات أهمها السماح للرئيس تمديد مدة ولايته حتى العام 2036. 

في الولايات المتحدة الأمريكية: 

فقد استغل الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" الجائحة والوضع الاستثنائي الذي خلفته للانتقام ممن يُعارض سياساته, وعمل على التشكيك فيهم, ومهاجمتهم علناً, سواء خلال مؤتمراته الصحفية, أم عبر وسائل التواصل الاجتماعي – لا سيما عبر حسابه " تويتر " فقد أقال ترامب الرجل الذي حرّك الدعوى لعزله " المفتش العام للمخابرات الأميركية" مايكل أتكينسون من منصبه, وذلك بحجة أنه لعب دوراً أساسياً في استجوابه أمام مجلس النواب واتهمه بإساءة استخدام السلطة, وأقال في وقت سابق كذلك ألكسندر فيندمان، كبير خبراء البيت الأبيض في الشأن الأوكراني من منصبه, الذي أدلى بشهادته في محاكمة العزل أمام البرلمان, وأقال كذلك سفير واشنطن لدى الاتحاد الأوروبي "غوردين سوندلاند" من منصبة على خلفية شهادته أمام مجلس النواب في قضية الدور الأوكراني, وفي هذا السياق فقد كان بعض النواب الديموقراطيون قد اعتبروا أن إجراءات "ترامب" هذه تُعتبر تصفية حسابات في وقت طوارئ وطنية في ظل تفشي وباء كورونا .

العديد من الأنظمة مارست سياسة القمع والترهيب ضد المعارضين السياسيين والمخالفين لسياسات الدولة, وكل من لا يتوافق مع أهواء ومزاجات النظام الحاكم, لا يتسع المقام لذكرها جميعا .



الجائحة: سلاح المعارضة في وجه النظام


لم يعد استغلال فيروس كورونا حكرًا على الأنظمة لتصفية حساباتها مع المعارضة, فقد لجأت المعارضة كذلك لاستغلالها لتصفية حساباتها مع الأنظمة الحاكمة, وهنا لا بد من تسجيل وجهين للمعارضة ( المعارضة المسلحة, والمعارضة السياسية) مع الإشارة الى أنه سوف يتم التطرق بداية للحديث بإيجاز عن التنظيمات والجماعات المسلحة المعارضة, أما بالنسبة للمعارضة السياسية داخل الدولة وخارجها سوف يتم تناول هذا الجانب بإسهاب. 


1- " المعارضة المسلحة " 

لقد سعت الجماعات الراديكالية والأجنحة المسلحة المصنفة دولياً بـ" الإرهابية" النشطة في كل من سوريا, والعراق, ومصر, وليبيا, واليمن, وبعض دول الاتحاد الأفريقي- مثل الصومال, ونيجيريا, وتشاد, ومالي, إلى استغلال انشغال هذه الدول في معالجة " جائحة كورونا " وانشغال وتركيز أجهزتها الأمنية والشرطية في تطبيق قرارات الإغلاق, للبحث عن ثغرات أمنية هنا وهناك قد تكون ناتجة عن هذا التركيز, وذلك للتسلل داخل الدولة لتحقيق ثلاثة أهداف: الأول: إعادة نشاطاتها القتالية ومهاجمة أجهزة ومراكز الدولة ومنشآتها الحيوية. الثاني : السعي لإعادة التموضع والسيطرة على بعض القرى والمدن التي فقدتها الجماعات المسلحة سابقاً. الثالث: ممارسة الاستقطاب والتجنيد وجلب التعاطف الشعبي. لقد عبر بعض مسؤولي هذه الدول وبعض الشخصيات الدولية عن مخاوفهم الجدية من استغلال التنظيمات والجماعات المسلحة من حالة حدوث الفراغات الأمنية في تصعيد أنشطتها, وتنفيذ اعتداءات على المقار والأجهزة الأمنية والوزارات التابعة للدول, وقد جاءت هذه المخاوف وهذا القلق على سبيل المثال لا الحصر- على لسان مفوض مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي "إسماعيل شرقي" من خلال مقال قد نشره السبت – 18/04/2020 محذراً من استغلال الجماعات المسلحة في إفريقيا انعكاسات تفشي فيروس كورونا, والظروف الاستثنائية لتصعيد عملياتها، مستفيدة من حالة الفراغ الناجمة عن تركيز الحكومات جهودها في مواجهة انتشار الوباء, قد جاءت تحذيرات الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو غوتيريش" كذلك في هذا السياق, وذلك خلال جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي الخميس -11/06/2020, حيث حذر من مغبة استغلال الجماعات التي وصفها بالإرهابية جائحة كورونا، لتأجيج العنف في مجموعة دول الساحل الإفريقي الخمس(مالي, والنيجر, وتشاد, وبوركينا فاسو, وموريتانيا), وفي هذا السياق كان تنظيم " داعش " في مصر على سبيل المثال قد نفذ عدة هجمات ضد الجيش المصري بسيناء, وقتل بعض أفراد وضباط الجيش, حتى إن التنظيم سعى لتنفيذ عمليات هجومية داخل المدن المصرية اعتقاداً منه بأن الظروف قد تكون سانحة لذلك في ظل " جائحة كورونا "وانشغال أجهزة أمن الدولة, حيث اشتبكت الأجهزة الأمنية المصرية بمنطقة الأميرية، شرق القاهرة الثلاثاء- 14 إبريل 2020 مع مجموعة مسلحة كانت مختبئة في إحدى المباني, في الوقت الذي كانت تخطط لتنفيذ عمليات بشوارع العاصمة واستهداف قوات الشرطة, وعلى صعيد ذي صلة بالحالة فقد كان تنظيم " داعش " في كل من العراق وسوريا قد دعا لاستغلال كل فرصة تنشغل فيها الدولة بأزمة كورونا لمضاعفة الضغط, داعياً للتقدم نحو السيطرة على المدن والقرى التي فقدها في السابق, أما في الدول الإفريقية الخمسة سالفة الذكر فقد نفذت الجماعات المسلحة عديداً من الهجمات, وارتكبت عدة عمليات قتل لجماعات وأفراد داخل القرى وبعض المدن.

2- " المعارضة السياسية " 

في العديد من الدول التي اجتاحها فيروس كورونا وجدت " المعارضة السياسية " فرصتها السانحة للاشتباك مع الأنظمة مستخدمة بذلك كل جهدها, وامكاناتها وماكيناتها الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر وترويج رواياتها, فقد لجأت المعارضة الصينية على سبيل المثال بادئ الأمر لكيل الاتهامات والانتقادات اللاذعة للحزب الشيوعي الصيني الحاكم متهمين إياه بالتقصير في تطويق المرض قبل انتشاره والتكتم على حجم الخسائر, وحجب المعلومات الحقيقية عن أعداد الوفيات, أما في أوروبا فقد لجأت الأحزاب المعارضة واليمين المتطرف المعادي للأجانب إلى استغلال حالة الخوف السائدة من المرض والخطر الذي شكلته جائحة كورونا على البلدان للتحريض على الحكومات، والدعوة لإسقاطها، متهمة إياها بتعريض سلامة تلك البلدان وشعوبها للخطر، ففي إيطاليا على سبيل المثال قد شن حزب الرابطة المعارض حملة شعواء ضد الحكومة داعيا لإسقاطها حتى وصل بهم الأمر الى حد المطالبات بالخروج من الاتحاد الأوروبي على خلفية ما ادعوه بتقصير الاتحاد في مد يد الإعانة بادئ الامر لإيطاليا التي غرقت في وحل الوفيات والإصابات, وقد شوهدت عملية تمزيق لعلم الاتحاد الأوروبي من قبل سكان إيطاليين, في المقابل رفع العلم الروسي والصيني, الدولتين اللتين هبتا منذ اللحظات الأولى لنجدة ومساعدة إيطاليا وإمدادها بالمساعدات والمعدات الطبية وبالخبراء الصينيين والروسيين على حد سواء,(طبعاً لا شيء بدون ثمن سياسي ) ليشكل هذا فرصة لكلا الدولتين " روسيا والصين " لاستمالة مثل هذه الدول كحلفاء في مواجهه قد تنشأ لاحقاً مع الولايات المتحدة الأمريكية في معركة الهيمنة والنفوذ العالمي " محور هذه الدراسة" , أما في إيران فقد وجدت المعارضة الإيرانية المتواجدة في الخارج أن الفيروس يشكل العصا التي تنقض بها على النظام الحاكم، حيث اتهمتة بالتأخر في إعلان حالة الطوارئ ما رفع عدد الوفيات, بالإضافة الى إخفاء الأعداد الحقيقية للوفيات في إيران . أما على الساحة الأمريكية وفي سياق التوظيف السياسي لجائحة كورونا فقد استعرت حرب دعائية بين الديمقراطيين والجمهوريين, عنوانها آلية التعامل مع وباء كورونا الذي بدأ بالظهور في الولايات الأمريكية بتاريخ (21/ يناير/2020), ولكن بالتدقيق في تفاصيل الحالة يمكن القول بأن خلفيتها الحقيقية " دعاية انتخابية لمنصب " رئاسي " قادم, فقد تبادل الطرفان الديمقراطي المعارض والجمهوري الحاكم اللوم والاتهامات حول المسؤولية عن تفشي الفيروس وتعرض حياة المواطنين للخطر, وأثاره على الاقتصاد والدخل القومي الأمريكي, فقد استغل الديمقراطيون تفشي فيروس كورونا, والذي أودى بحياة الآلاف من الأمريكيين ذريعة للهجوم على الرئيس الامريكي "ترامب" المصنف "جمهورياً" واتهامه من ناحية بالتلكؤ باتخاذ إجراءات السلامة بداية الجائحة, وتقديم مصالحه الاقتصادية الخاصة على مصالح الدولة, والشعب, ومن ناحية أخرى التعامل مع الوباء بعدم الاكتراث, وسوء التقدير لمخاطرة, مستغلين ذلك في خطابهم الإعلامي لمحاصرة شعبيته استعدادا للانقضاض عليه في ملعب الانتخابات الرئاسية, حتى وصل الأمر بخصمه "جو بايدن" الفائز بالرئاسة للقول بأن " ترامب " ليس كفئاً ولا يصلح لقيادة البلاد, ما دعا الرئيس ترامب الى إعادة النظر بالموقف, والذهاب نحو اتخاذ التدابير اللازمة للحد من تفشي الفيروس, ولقطع الطريق على الخصوم السياسيين للعب على هذا الوتر, فقد لجأ ترامب لفرض حالة الطوارئ في البلاد في الثالث عشر من مارس 2020 بعدما أدرك أن الخطر داهم فعليا بعد تفشي الفيروس بين صفوف المواطنين, وأن خصومه الديمقراطيين سيستغلون هذه الحالة ضده, الا أن هذه الاجراءات وبالرغم من ضرورتها قد عادت بالضرر على النشاط الاقتصادي والتجاري, ما أثر سلباً على الدخل القومي الأمريكي ,ومعيشة المواطنين الذين عبروا عن استيائهم من الوضع, ليشكل هذا التناقض والإرباك مرة أخرى صيداً ثميناً للديمقراطيين, وذلك بالعديد من الانتقادات اللاذعة لهذه الإجراءات وهذا الأداء, ما دفع الرئيس ترمب للرد بالقول إن الديمقراطيين يحاولون تشويه صورة العمل الذي يقوم به بغرض تصفية حسابات سياسية لأغراض انتخابية دعائية, ليجد ترامب نفسه بعد ذلك مضطراً لإعادة كرة اللهب إلى ملعب حكام الولايات, وذلك من خلال الإعلان في السابع عشر من أبريل 2020 عن خطة تدريجية لإعادة النشاط الاقتصادي ذلك عبر ثلاث مراحل، على أن يبدأ الرفع التدريجي قبل الأول من مايو/أيار, لكن حكام سبع ولايات أعلنوا اتفاقهم على التنسيق فيما بينهم لتحديد موعد لرفع أو تخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي, وذلك فيما قالوا بأنه يأتي وفقا لتوصيات الخبراء, وحالة السيطرة على المعدل اليومي للإصابات, وليس بما يحدده الرئيس ترامب, ما أعتبره ترامب "تحدياً" من حكام الولايات له, ليعلن بأن قرار إعادة فتح الاقتصاد الأميركي من صلاحياته الرئاسية وليس من صلاحيات حكام الولايات, لتندلع مظاهرات منتصف أبريل 2020 في بعض الولايات معارضة لقيود إعادة النشاط التي وضعها حكام الولايات السبعة, لتمثل مثل هذه الأحداث وهذه الأصوات من منظور الرئيس " الخاسر" ترامب وبعض مستشاريه فرصة يمكن استغلالها ضد الخصوم الديمقراطيين في الحملة الانتخابية, سيما وأن ترامب قد اعتبر أن الحكام قد ذهبوا بعيداً في إجراءات الحجر.


الخلافات الدولية – الدولية


لقد استعرت في ذروة جائحة كورونا حرب إعلامية بين عدة دول "خصوم" عربية وإسلامية وأجنبية لا سيما الدول المركزية ,ذات الوزن العسكري والاقتصادي والسياسي, سعى فيها كل طرف لاستغلال الحالة للنيل من الآخر, وقد استخدم كل طرف إعلامه الرسمي في ذلك, وكان بعضهم قد وجهوا الاتهامات لدول أخرى, واتهموها بالمسؤولية عن نشر الفيروس, فقد برزت في هذا الشأن مناوشات إعلامية بين خصوم عدة . 


(مصر وتركيا)

ربما من العدل القول بأن هذه المناوشات الإعلامية بين هاتين الدولتين لم تحمل سمة الاتهامات حول المسؤولية عن انتشار الفيروس كما حدث مع الآخرين , إنما جرت حول استغلال كل طرف الحالة ليعري بها ويكشف ثغرات خصمه في مراحل التعامل مع شعبه ومعارضيه فيما يخص الجائحة, وهنا يمكن القول بأن مرد الخلافات قد جاء على خلفية التمدد التركي في محيط العمق القومي المصري (ليبيا), والأطماع التركية في النفط الليبي من ناحية, والتحالفات على الأرض الليبية لكل طرف منهم, 


(السعودية وإيران )

لقد استعرت حرب إعلامية بينهما حول هذه القضية ,فقد اتهمت السعودية إيران بالمسؤولية عن نشر الفيروس على اراضيها, ذلك من خلال تسهيل الدخول بشكل مخالف لبعض السعوديين منذ الأول من فبراير الماضي (2020) إلى إيران التي عجت بوباء " كورونا" ما تسبب في انتشار الفيروس عبر العالم, ما نفته إيران, معللة تسهيل دخول القادمين لإيران, وعدم وضعها أختام الدخول والخروج على جوازات السفر بالنسبة للقادمين أو المغادرين منها، جاء لتسريع إجراءات السفر, وعدم أخذ حيز في صفحات جواز السفر.

 

(مملكة البحرين وايران )

لقد اتهمت البحرين "الخميس- 12/3/2020" إيران بمخالفة القوانين الدولية بعدم ختم جوازات البحرينيين، معتبرة أن “سلوك إيران” يعد شكلا من أشكال العدوان البيولوجي المحرم دوليا. 

( الأمريكية والسعودية-روسيا )

في ذروة تفشي وباء " كورونا "وانحسار الطلب العالمي على النفط الخام خلال شهر مارس آذار من العام2020 برزت الاتهامات الأمريكية لكل من السعودية وروسيا حول تراجع أسواق النفط حول العالم، بسبب خلافهما على الأسعار وحجم الضخ في سوق النفط، إذ إن الدولتين( روسيا والسعودية ) قد ضختا النفط في الأسواق العالمية بأقصى طاقة في الوقت الذي يشهد فيه العالم تراجعا حادا في الطلب على " النفط " بسبب انتشار فيروس كورونا، وتعطل أغلب عجلات الإنتاج للدول, ما تسبب في هبوط حاد في سعر برميل النفط, ما تسبب في تلقى منتجي النفط الصخري الأمريكي على أثر ذلك ضربة موجعة, إذ إن هذه الصناعة كما صرح الخبراء تحتاج إلى أسعار نفط أعلى لتبقى على قيد الحياة, وكان الرئيس الأمريكي السابق " دونالد ترامب " قد كتب في التاسع من مارس 2020 على حسابه الشخصي " تويتر" بهذا الخصوص . 


(الصين والولايات المتحدة الأمريكية)

 في ذات السياق  برزت في ظل " جائحة كورونا "خلافات أيضاً بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية كذلك, فقد شكل فيروس كورونا السلاح الأبرز والأحدث بيد إدارة الرئيس الأمريكي السابق" دونالد ترامب" للهجوم على الخصم الذي ينازع الولايات المتحدة على الزعامة, فأول الروايات الأمريكية فيما يخص جائحة كورونا التي يراد لها أن تصل لآذان العالم ضد الخصم الأبرز على الساحة الدولية( الصين ), فقد لجأت ادارة ترامب إلى اعتماد مصطلح ( الفيروس الصيني ) وذلك لاستخدامه ذريعة لإلصاق التهمة بالصين بأنها المسؤولة عن تفشيه, ونشره في العالم, وقد لجأت في ذلك إلى القول بأنه قد صُنع في مختبر في مدينة ووهان الصينية, ليأتي الرد الصيني على هذه الرواية بالتنكر والرفض لها, ومن قبيل رد الاتهام فقد سارعت الصين بالقول أن مختبراً بيولوجياً تابعاً للجيش الأمريكي في فورت ديتريك (مريلاند) هو الذي كان يعمل على تطوير فيروس كورونا المستجد، وكنوع من التدرج في نشر الرواية الأمريكية الهجومية على الصين.

وفي مشهد تكاملي للأدوار بين أقطاب السياسة الأمريكية فقد طالبت بعض الشخصيات المقربة والمؤيدة للرئيس ترامب بمقاضاة الصين ومحاسبتها على انتشار الفيروس, فالسيناتور "مارشا بلاكبيرن" من ولاية " تينيسي" الأمريكية قد دعت لشطب جزء من ديون الصين المستحقة على أمريكا, وقد دعمها في ذلك السيناتور ليندسي غراهام، الذي دعا العالم لإجبار الصين على دفع فاتورة الوباء, وفي السياق ذاته فقد رفع المحامي الأميركي لاري كلايمان أمام محكمة شمال ولاية تكساس دعوى قضائية لتغريم الصين بمبلغ20 تريليون دولار، ذلك لنفس السبب, وقد سعى الرئيس ترامب لتحريض دول أوروبية كبريطانيا وفرنسا وألمانيا للسير على النهج ذاته مهدداً بالاستيلاء على الأصول الأمريكية المملوكة للصين.

جائحة كورونا " لعبة الهيمنة والنفوذ الدولية, ومواطن الشرارة" 


الحقيقة أن فيروس كورونا برغم انتشاره كالنار في الهشيم قد تجاوز مفهوم " الوباء " ليكشف حقيقة الصراع الكامن بين القوى العظمى على عرش البقاء والهيمنة الدولية بين الولايات المتحدة الأمريكية, والصين الشعبية, وروسيا الاتحادية, أمام بالنسبة للجمهورية الإيرانية فهي لم تكن بعيده عن هذا المضمار, حيث دخلت على وقع هذه الجائحة في لعبة المناكفات مع الولايات المتحدة الأمريكية, وذلك على خلفية برنامجها النووي الذي تسعى من خلاله لموقع دولي متقدم, فاتحاً هذا " الوباء" الباب أمام تحدي كبير بين الأقطاب الدولية سالفة الذكر لمراجعة نظرية الاستحواذ والنفوذ الدولي, فمنهم من يسعى للحفاظ على مكانته الدولية – الريادية, محاولاً دفع الآخرين وعدم السماح لهم بالدخول إلى هذه الحلبة, ومنهم من سار في غمرة هذا الوباء باتجاه تطوير برامجه العسكرية والاقتصادية, ومنهم من سار باتجاه المشاريع التجارية العملاقة التي ارتأى بأنها ستأهله يوماً ما للقفز على عرش القيادة العالمية, والمقصود هنا روسيا و"الصين " تحديداً, ما جعل هذه الحالة تدفع كل طرف منهم نحو التشبث والصمود أمام هذا التحدي الكبير, والحفاظ ليس على أسباب النجاة فحسب, بل التقدم للأمام, فالعملاق الصيني على سبيل المثال صاحب مشروع طريق الحرير الجديد, الذي تسعى الصين من خلاله إلى ربطها بوصفها دولة متقدمة بما يزيد عن 120 دولة حول العالم, عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية، ليشمل ذلك بناء مرافئ وطرقات وسكك حديدية, ومناطق صناعية, تسعى من خلاله تسريع وصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية، بما في ذلك آسيا وأوروبا, وأفريقيا, وأميركا الجنوبية والوسطى, ما يؤهلها لأن تصبح الإمبراطورية التجارية اﻷكبر في العالم, ويفتح لها الأبواب للتربع على عرش القيادة العالمية, ما يراه المارد الأمريكي المتربع على عرش النفوذ الدولي منذ أن حطت الحرب العالمية الثانية أوزارها في الثاني من سبتمبر 1945 خطراً محدقاً، من هنا جاء الفعل الأمريكي صارماً محاولاً تعطيل هذه المشاريع, فقد عمدت إدارة الرئيس الامريكي السابق" ترامب" إلى استغلال الجائحة على الصعيد الدولي, وإشاعة نظرية " المؤامرة " الصينية, والادعاء بأن هذا الوباء تم تصديره عمداً من الصين الشعبية لأمريكا ودول العالم, ولكي يتم حبك خيوط هذه الرواية قام الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بوسم هذا الفيروس بـ(الفيروس الصيني),ولكن الصين لم تصمت على ذلك, ودحضت هذه الرواية بالنفي, واستطاعت أن تدافع عن نفسها, وتدفعه بعيدا عنها, حيث لم تستطع أي جهة رسمية أن تثبت بالأدلة صحة هذا الكلام, إلا أن مساعي " دونالد ترامب "في الهجوم وإذكاء روح التنافس بأقوى الوسائل المضللة الممكنة لم تتوقف عند هذا الحد, فقد لجأت إدارته الى اتباع سياسة الهجوم المتواصل على الخصمين الدوليين لتحبط كل محاولاتهما في المنافسة على زعامة العالم, أو مشاركتها إياها, هذان الخصمان اللذان يسيران بخطى واثقة نحو بناء منظومات التفوق الثلاثة, الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية .

أدوات تنافس مختلفة


لقد تخطى التنافس بين الخصوم نطاق الجغرافيا " الأرضية" ليصل إلى حدود جغرافيا "الفضاء", ليبلغ بذلك أعلى مستويات التصعيد, حتى بلغ الأمر حدود التلويح بالضربات "النووية " بين الخصوم في هذا الجانب, والتي تفتح الأبواب على كل الاحتمالات, لطالما بقيت المنافسة قائمة بينهم على هذه الشاكلة, وهنا بالإمكان رصد زاويتين من زوايا التنافس:

الزاوية الأولى : " سباق التسلح في الفضاء " 

 حيث يأتي هذا التصعيد الأمريكي على خلفية المخاوف الأمريكية من تطوير كل من روسيا والصين برامجهما وقدراتهما الفضائية حول الأرض, واعتبار هذه القدرات تشكل خطراً محدقاً على مشروع واشنطن الفضائي, الذي يشكل في جنباته منظومة ملاحية متكاملة تتحكم بكل أركان الدولة على الأرض, فبعض الخبراء والمسؤولين الأمريكيين كانوا قد تحدثوا حول احتمالية مواجهة شرسة يتم فيها ضرب منظومات فضائية, قد تفضي لحرب دولية ثالثة, فقد جاء هذا كله في ظل الحديث عن تجارب صاروخية مدمرة للأقمار الاصطناعية أجرتها كل من الصين وروسيا, سيما وأن موسكو قد أجرت الأربعاء- 15 أبريل من العام 2020م اختباراً لصاروخ مضاد للأقمار الصناعية, مع الإشارة الى أنها لم تكن التجربة الأولى من نوعها في هذا المجال, فقد سبق وأن أجرت روسيا تجارب سابقة عديدة على مدار أعوام مضت, وكانت واشنطن قد أعربت عن مخاوفها من هذه التجارب, معتبرة إياها تهديداً استراتيجياً لأمنها القومي في الفضاء, ولمنظومتها الملاحية الفضائية, وكان الرئيس الأمريكي السابق "ترامب" في هذا الصدد قد صادق 21 ديسمبر من العام 2019 على مرسوم يقضي بإنشاء ما يسمى" قوة الفضاء الأميركية "،وذلك بزعم حماية الأصول الأميركية الفضائية, معتبراً في ذلك المرسوم أن الفضاء أصبح ميداناً للقتال"، مضيفاً بأنه لا يكفى أن يكون وجوداً أمريكياً هناك, بل يجب أن تكون هيمنة أمريكية على الفضاء, وقد كان "ترامب" قد أصدر الاثنين- 6/4/2020 مرسوما ينص على عدم اعتبار الموارد الفضائية ملكاً عاماً للبشرية, لاغياً بذلك اتفاقاً تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر عام 1979- ينص على تنظيم نشاط الدول على القمر, و الأجسام الفضائية الأخرى والمعروفة اختصاراً باتفاقية" القمر", لتعلن الصين من جهتها على لسان الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية جينج شوانج عن معارضتها وقلقها العميق إزاء هذه الخطوة, وكان" مايك بنس " نائب ترامب، قد صرح في وقت سابق بأن الفضاء مجال حرب، كما الأرض والجو والبحر، وأمريكا ستكون مهيمنة فيه، كما هي على الأرض.

هذا كله يأتي في الوقت الذي يُصرح فيه مسؤولون بأن الفضاء يتحول بشكل تدريجي متزايد إلى مجال مهم للصراع مع تعزيز كل من الولايات المتحدة وروسيا والصين وضعها العسكري في المدار القريب من الأرض, وفيما يخص المنافسة مع موسكو فقد أعلن الجيش الأمريكي في الرابع من فبراير 2020 عن تطوير ونشر سلاح نووي جديد يطلق من الغواصات بزعم مواجهة التهديد الذي تشكله ترسانة روسيا من الأسلحة النووية التكتيكية, ليأتي عقب ذلك التأكيد الروسي على أن موسكو سترد بالسلاح النووي على أي هجوم أمريكي تستخدم فيه صواريخ بالستية تطلق من الغواصات, وكان قائد قيادة الفضاء ورئيس العمليات في قوة الفضاء الأميركية الجنرال "جون ريمون" قد اعتبر في بيان الأربعاء 16/ أبريل بأن الاختبارات الروسية للصواريخ المدمرة للأقمار الاصطناعية بمنزلة تهديد للولايات المتحدة وأنظمتها الفضائية, مضيفاً بأن هناك إقبالاً متزايداً على بناء وتطوير أنظمة الفضاء في ظل جائحة كورونا.

الزاوية الثانية : " بحر الصين الجنوبي " 

 تشكل هذه الرقعة إحدى المشكلات الرئيسية بالنسبة للخصمين العملاقين (الصيني والأمريكي), الذي من المتوقع أن تشكل يوماً ما نقطة الاشتباك والمواجهة بينهما, هذا البحر الذي تبلغ مساحته نحو 3.5 مليون كم2, يشتمل على اثنين من الممرات التجارية الهامة في العالم, وهما مضيق "بلقا" ومضيق "تايوان", حيث تحتوي أعماق هذا البحر كما أخبر بذلك العديد من الخبراء على كنوز من النفط, والغاز الطبيعي بالإضافة للثروات المعدنية والسمكية الهائلة. 

أهمية بحر الصين : 

1- تمر عبر بحر الصين الجنوبي أكثر من 35 في المائة من تجارة الشحنات البحرية العالمية. 

2- تجارة النفط العابرة لمضيق بلقا ببحر الصين الجنوبي تعادل 15 ضعفاً ما يمر بقناة بنما ونحو ثلاثة أضعاف ما يمر بقناة السويس خلال العام الواحد. 

3- يحتوي على احتياطي نفطي يبلغ 10 مليار برميل. 

4- نحو الف تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي. 

5- ثروات معدنية وسمكية هائلة. 

6- يعتبر بحر الصين أقصر الطرق التي تصل بين المحيطين الهادئ والهندي. 

7- نصف ناقلات النفط العالمية تمر عبر هذا البحر. 

8- تمر عبره نصف التجارة الدولية . 

الصين من ناحيتها تعلن جهاراً نهاراً بأحقيتها في السيادة الكاملة عليه, وتسعى دائماً للتنقيب عن النفط والغاز هناك, والولايات المتحدة الأمريكية من ناحيتها لا تمل من فتح باب المناكفات مع الصين بين الحين والآخر في هذه الرقعة, سعياً لإعاقة ووقف هذا التمدد, وذلك تحت عنوان "حماية حرية الملاحة البحرية"، متهمة إياها بممارسة سلوك بلطجي في بحر الصين الجنوبي, التي للولايات المتحدة الأمريكية مصالح تجارية هناك كما غيرها من دول العالم. فالصين من جهتها تتمدد هناك بشكل مستمر, وتعمد الى إنشاء الجزر الصناعية, والتي بلغت "الخمسين" جزيرة, سعياً لإنشاء حاجز كما يقول الخبراء والمتابعون بطول 1000 كم, حيث يحول هذا الحاجز البحر لمسطح مائي شبه مغلق من خلاله تسيطر الصين على كل السفن المارة به, على رأسها السفن الأمريكية, لتأتي هذه الخطط الصينية امتداداً للمشروع الاقتصادي العملاق الذي تسعى الصين لتنفيذه منذ سنين, والذي تسعى من خلاله لمد الصين بالطاقة, ويسهم في تحويل الصين لإمبراطورية اقتصادية وتجارية تغزو من خلالها العالم, هذا المشروع العملاق الذي يُعرف بطريق الحرير" سابقاً, وحالياً باسم "الحزام والطريق" الذي تم الإعلان عنه في نهاية عام 2013 على لسان الرئيس الصيني "شي جين بينغ"، والذي يهدف إلى ربط الصين بالعالم, ومن خلاله تسعى الصين لإيصال منتجاتها إلى الأسواق العالمية ،وذلك عبر استثمار مليارات الدولارات في البنى التحتية على طول الطريق الذي يربطها بالقارات آسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والوسطى ، بما يشمل بناء مرافئ, وطرقات, وسكك حديديه, ومناطق صناعية, حيث سيكفل هذا التمدد لها فوائد اقتصادية واستراتيجية لتشكل بذلك الإمبراطورية التجارية اﻷكبر في العالم, وتدشين حقبة جديدة من المنافسة العالمية مع الولايات المتحدة الأمريكية .

القراءة التاريخية 


لا بد لنا في هذه الدراسة من العودة بالتاريخ للخلف عقود, لمراجعة المحطات التاريخية, ومجريات الأحداث لتلك المحطات, وكل ما نتج عنها من متغيرات مع الاكتفاء بمراجعة ثلاث محطات رئيسية في هذا التاريخ, كانت تصارعت فيها قوى عالمية, مع الإشارة إلى أن الهدف في هذه السياقات كما ذكرت سالفاً, ليس (السرد التاريخي ) بقدر ما هو بيان كيفية, وإمكانية تغير النظام الدولي عقب كل مرحلة من تلك المراحل, وبيان أوجه التشابه مع الواقع الصدامي الحالي, بين كل من الصين وروسيا من جهة, والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى . يشير التاريخ إلى أن هناك محطات عديدة في أزمنة متفرقة كان قد حصل فيها أحداث كبرى, قد تصارعت فيها أطراف دولية عديدة لعبت بشكل كبير في تغيير مراكز القوى الدولية والنفوذ, وقد سجلت تلك الأحداث انهيار دول كانت في أعلى هرم النفوذ والهيمنة الدولية, في مقابل صعود أخرى, بعدما شكلت فلسفة (المصالح والتفرد ) لتلك الدول المتصارعة عنواناً ووصفاً للحالة التي سادت آنذاك, فقد سجل التاريخ بداية أن مجموعة من الإمبراطوريات والقوى التي هيمنت وسيطرت على بقاع عديدة من الكرة الأرضية, التي نهبت الخيرات وقمعت الشعوب وأذلتها وحرمتها من حقوقها في الاستقلال, بأنها قد مثلت أحياناً نظاما "أحادياً " تنفرد فيه قوة ما أو دولة ما, مثل:

(القوة الفارسية ,والقوة المقدونية, والقوة الرومانية, والقوة الأمريكية) وأحياناً أخرى كانت تمثل نظاماً " ثنائيا "مهيمناً, حيث تجتمع فيه دولتان على النفوذ والسيطرة, مثل: 

القوة ( البريطانية – الفرنسية ) عقب الحرب العالمية الأولى, والقوة (الأمريكية – السوفيتية ) عقب الحرب العالمية الثانية. 

اللافت هنا أن كلا النظامين" الأحادي والثنائي" كان يحكمهما أهداف السيطرة على طرق التجارة, وممرات المياه, والموانئ, وسرقة الخيرات والموارد, والسعي لخلق أسواق اقتصادية تتبع هذا النظام أو ذاك . 

سياقات التاريخ أثبتت أن الأحداث الكبرى جلبت لبعض الدول وبالاً اقتصادياً وعسكرياً, وهددت مستقبلها وأمنها القومي, وعلى النقيض قد حققت تلك الأحداث لدول أخرى مكاسب اقتصادية وسياسية وحتى عسكرية, وشكلت لها فرصاً للصعود نحو السيطرة والنفوذ الدولي, وهنا سيتم التطرق بالتفصيل إلى المحطات التي حدثت في اثنتين منها صدامات دولية كبرى, وحروب داميه, سقط فيها الملايين من الأرواح, وذلك لكي يتم رصد حالة التغيير في المنظومة الدولية عقب كل محطة ومواجهة حصلت, وبيان كيفية استغلال الخصوم لتلك الأحداث في عملية الاستقطاب وصناعة التحالفات خلال كل مواجهة, والكيفية التي تم بها تشكيل معسكرات مساندة لهذه الجهة أو تلك, كما وسيتم من خلال هذا السرد رصد الدول التي حكمت وهيمنت قبل الحرب, وكيف سقط وإنهار بعضها, وتلك التي صعدت بعد الحرب, لاستخلاص الأثر والتداعيات, والآلية التي ساعدت على إعادة تشكيل المنظومة الدولية, وبيان الوسائل والطرائق التي اُستخدمت في ذلك .

الحرب العالمية الاولى " 1914- 1918" 


 في هذه الجزئية سوف أرصد بعض الأحداث التي جرت قبل وخلال الحرب العالمية الأولى, وتسمية القوى التي انهارت على أثرها, والأُخرى التي صعدت, تلك الفترة التي عرفت تاريخياً بعهد القوتين(البريطانية – الفرنسية), وكيف تشكلت المنظومة الدولية في أعقاب الحرب, وبيان أوجه الشبه بين ما أفضت اليه تلك الحرب, وما يحدث في وقتنا الراهن من مشاحنات بين الدول الكبرى المتصارعة (روسيا- الصين- أمريكا- إيران ), وإذا ما كانت المشاحنات الراهنة ستفضي إلى مواجهة عظمى على نفس الشاكلة, ولبيان فيما إذا كان للأطماع التجارية والاقتصادية الراهنة, والبحث عن أسواق لترويج الصناعات, والبحث عن المواد الخام في دول أخرى دور في إشعال فتيل مواجهة كبرى ثالثة . قبل الشروع في هذا السياق لا بد من رصد جملة التفاعلات التي عاشتها القارة الأوروبية قبيل الحرب العالمية الأولى, التي يمكن القول بأنها كانت " التربة الخصبة " لذلك الصدام الأكبر المسمى بـ" الحرب العالمية", فلقد سبق تلك الحرب بعدة سنوات عدة أزمات ومشاحنات بين غالبية الدول الأوروبية, حيث سعت كل دولة من تلك الدول للسيطرة على الأخرى, أو على جزء من أراضيها, وذلك بهدف استغلال مواردها وموادها الخام من ناحية, ومن ناحية أخرى البحث عن مواطيء قدم لتصريف منتجاتها وبضائعها, واللافت هنا أن ذلك التنافس أدى إلى تطور النزعة الاستعمارية لدى بعضها, ما دفع بعضها إلى عقد اتفاقيات, وأحلاف فيما بينها, وهي على النحو التالي : 

 • " الأحلاف " 

 أ‌- الحلف الثلاثي بين ألمانيا, و إمبراطورية النمسا- المجر, و إيطاليا في 20 مايو 1882.

 ب‌- الاتفاق الودّي الذي وقّعته كل من بريطانيا العظمى وفرنسا في 8 أبريل 1904م. 

 ت‌- الوفاق الثلاثي, الذي شكل اتحادًا عسكريًّا بين بريطانيا وفرنسا وروسيا في عام 1907 من خلال ما سمي أنذاك "معاهدة سانت بطرسبرغ ". 


" الأزمات "

أ- أزمة المغرب أو ما يعرف بأزمة "طنجة" التي جاءت على خلفية المنافسة بين ألمانيا من جهة, وفرنسا بدعم من بريطانيا من جهة أخرى. حيث منحت الاتفاقات الفرنسية التي تم التوصل إليها في عام 1904 بين كل من إنجلترا (8 إبريل) وإسبانيا (7 أكتوبر) الحق لفرنسا بالسيطرة الفعلية على المغرب. 

ب‌- أزمة أغادير (1911) وتسمى كذلك باسم "أزمة المغرب الثانية"، التي أفضت إلى حصول ألمانيا على جزء من الكونغو مقابل تخليها عن المغرب لكل من فرنسا وإسبانيا. 

ت‌- الأزمة بين فرنسا وألمانيا على خلفية سيطرة الأخيرة على مناطق "اللورين" و"الإلزاس" في فرنسا. 

ث‌- أزمة " البلقان" الأولى التي حدثت في أكتوبر 1912 وانتهت في 30 مايو 1913 بتوقيع معاهدة " لندن", حيث أدت الحرب إلى خسارة الدولة العثمانية لغالبية أراضيها في أوروبا. 

ج‌- حرب " البلقان" الثانية ما بين 29 يونيو و 10 أغسطس 1913 التي نشبت بسبب عدم رضى بلغاريا عن التسوية النهائية للحدود بينها وبين صربيا واليونان, ما دفعها لمهاجمة كلًّ من صربيا واليونان، ثم دخلت الحرب كل من رومانيا والدولة العثمانية والجبل الأسود ضد بلغاريا. 

ح‌- الأزمة البوسنية ،أكتوبر 1908 التي حدثت مع إعلان النمسا ضم أراضي البوسنة والهرسك. 

خ‌- سباق التسلّح بين الدول الأوروبيّة وسعي كل طرف لامتلاك الأسلحة المتميزة . د‌- التنافس التجاري بين الدول الأوروبية, وسبل البحث عن أسواق لتصريف منتجاتها بعد الثورة الصناعية . 


بعد السرد آنف الذكر, أستطيع القول آن تلك العوامل كانت بمثابة القطرات التي أفاضت كأس المواجهة " الكبرى ", وشكلت الدافع نحو الحرب, من بينها التنافس الاقتصادي والتجاري بين الدول المتحاربة لاقتسام النفوذ عبر العالم ومحاولات السيطرة على الأسواق العالمية لتصريف فائض إنتاجها الصناعي، بالإضافة إلى البحث عن المواد الخام، فضلاً عن الدخول في تحالفات عسكرية وسياسية، أدت في مجملها إلى سباقات تسلح.

التحالفات خلال الحرب 

اندلعت المواجهة في 28 يونيو/حزيران 1914, بإعلان النمسا الحرب على صربيا، فقامت روسيا بمناصرة صربيا وأعلنت الحرب على النمسا, ما دعا ألمانيا لإعلان الحرب على روسيا, وسُرعان ما تحوّلت إلى حرب عالمية، لتصبح ما بين قوات (الحلفاء) بزعامة بريطانيا، ودول (المركز) بزعامة ألمانيا، استخدمت فيها جميع أنواع الأسلحة, ومع تصاعد حدة الاشتباكات ووصولها لما سمي بحرب الغواصات التي بدأتها المانيا ضد السفن التجارية والعسكرية, وتهديد المصالح التجارية الأمريكية, فقد تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لصالح دول الحلفاء ضد دول المركز, ما أسهم في تغير معادلة الاشتباك في جبهات متعددة ليفضي ذلك إلى انهيار دول المركز, وانتهاء الحرب في 11 نوفمبر 1918م, لينتهي عقبها نفوذ الإمبراطوريّة الألمانية والروسيّة والدولة العثمانية, وينتهي عهد الإمبراطورية (النمساوية- المجرية) التي هيمنت على أوروبا الوسطى طوال خمسة قرون مضت, فتغيرت خريطة أوروبا والشرق الأوسط على حد سواء بعد الحرب، وتبدلت القوى لتبرز كل من( بريطانيا, وفرنسا) كقوى دولية حاكمة ومهيمنة بعد انتصارها في الحرب, ليشكل ذلك حقبه دوليه جديدة, كانت الهيمنة الاقتصادية على العالم من نصيب الولايات المتحدة الأمريكية, والنصيب الآخر ( السيطرة الجغرافية ) للقوتين " البريطانية والفرنسية "اللتين تقاسمتا أراضي الدولة العثمانية.


الاستفادة التي حققتها كل من بريطانيا وفرنسا من الحرب 


رغم خسارة الطرفين المادية والبشرية الهائلة, ورغم المديونيات التي تحملاها من تبعات الحرب, فقد شكل الانتصار لهما فرصة لتقاسم النفوذ الدولي والسيطرة الجغرافية, من خلال اقتسام دول شرق المتوسط, وذلك من خلال اتفاقيه " سايكس بيكو" التي عقدها الطرفان في عام 1916, التي منحت بريطانيا كلاً من فلسطين والأردن وجنوب العراق وموانئ حيفا وعكا, ومنحت بالمقابل فرنسا كلاً من جنوب شرق تركيا وشمال العراق وسوريا ولبنان, وبهذا الشكل قد فتحت هذه الاتفاقية للطرفين السيطرة الكاملة على ثروات وخيرات هذه الدول, وفتحت لهما الأبواب أمام الأسواق ,والتحكم بالممرات المائية في هذه المناطق . كيف استغلت الولايات المتحدة الأمريكية ظروف الحرب, وما هي الاستفادة التي حققتها ؟ بعد أن ألحقت الحرب خسائر اقتصادية هائلة بالدول الأوروبية المتناحرة أُغرقت الدول في صراعات داخلية, ودخلت في أزمات مالية خانقة بسبب نفقات الحرب الهائلة، فازدادت مديونياتها, حتى أصبحت تلك الديون تفوق دخولها القومية بأضعاف, ما جعلها عاجزة عن مجاراة النهوض لسنوات وسنوات, ومرهونة للولايات المتحدة الأمريكية التي كانت قد مدتها بالسلاح والعتاد, وأغرقتها بالديون, فقد خسرت القوى الأوروبية في النزاع معظم احتياطاتها من الذهب لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية, التي ضاعفت مخزونها من الذهب, إلى 50% في العام 1923, بعدما كانت تملك 40% من الذهب العالمي قبل الحرب, ما جعل الدولار الأمريكي يتفوق عالمياً, حتى أصبحت أمريكا الممول الأول الذي يمد العالم بالأموال بعدما كان الأوروبيون هم من تولوا هذا الأمر لعقود (حسب ما ذكره المؤرخ والخبير الاقتصادي الفرنسي اوليفيه فيرتاغ ) لتنتقل أوروبا بذلك بين 1914 و1919 من موقع الدائن إلى موقع "المدين", ما تسبب في تراجع هيمنتها الاقتصادية والسياسية التي كانت سائدة لعقود, لصالح الهيمنة الاقتصادية الأمريكية, وبهذا قد تفوق الدولار الأمريكي كعملة دولية سائدة , وهيمنت الولايات المتحدة بهذا الشكل على العالم اقتصادياً .

خلاصة الجزئية :

ربما لو قارنا ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المضمار, وما قدمته من معونات, وبناء اقتصادات الدول التي أُنهكت بفعل الحرب, وجسور الإمداد التي فتحتها لها, ما منحها فرصاً وهامشاً كبيراً لربط تلك المساعدات بالهيمنة السياسية, من ثم السيطرة والنفوذ, لو قارناها مع ما تقوم به الصين الشعبية منذ سنوات, من مشاريع الاقتصاد الممتدة حول العالم, وبناء وتطوير بعض موانئ الدول, ومشاريع التنمية والمساعدات المقدمة لبعضها, قد نرى الحالتين متشابهتين إلى حد كبير مع بعضها البعض, ما يدعو للقول بأن الصين تطمح للوصول لهذه المكانة من خلال هذه السياسة, وهذه الاجراءات التمويلية, والمشاريع الاقتصادية على الأرض .

2- الحرب العالمية الثانية "1939-1945 " 


لقد شكلت نزعة التنافس الأوروبي في المجال التجاري والاقتصادي, والسياق على الحصول على المواد الأولية للصناعات عود الثقاب للحرب العالمية الثانية, فضلاً عن ظهور الحكومات الدكتاتورية المتسلطة في بعض البلدان, مثل (موسيليني, إيطاليا) و(هتلر,ألمانيا), ونتاج التسويات التي حدثت بين الدول المتصارعة, مثل معاهدة فرساي عام 1919,إلتي اعتبرتها المانيا بمثابة عقاب لها, ما دفع القوات الألمانية بقيادة هتلر لاحقا لإشعال فتيل الحرب, وذلك بغزو النمسا، وتشيكوسلوفاكيا وبولندا, ما دعا كلاً من بريطانيا وفرنسا لإعلان الحرب على دول المحور, وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد دخلت الحرب لاحقاً بعد الهجوم الياباني على أسطولها في المحيط الهادي, مستعملة السلاح الذري ضد اليابان, في(هورشيما ونغازاكي) لتنهي بذلك آخر معاقل المواجهة للحربية العالمية الثانية. لقد أسفرت الحرب العالمية الثانية عن هزيمة إيطاليا وألمانيا واليابان, وانهيار الاقتصاد الأوروبي وتدمر ما يقرب من70% من البنى التحتية لتلك الدول, ولم تعد (فرنسا وبريطانيا) عقب تلك الحرب تهيمنان على العالم, وتشكلت عقب ذلك الخارطة السياسية والعسكرية الدولية, لتبرز الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي كقوتين جديدتين تحكمان العالم, إلا أن العلاقة بين الشريكين الجديدين ما لبثت أن تشكلت حتى, برزت الاختلافات والخلافات على النفوذ والتمدد بينهما, وقد تنامت تلك الخلافات على مر الوقت بينهما, لينقسم العالم على أثرها إلى كتلتين متنافستين-الكتلة الغربية" برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية و"الكتلة الشرقية" بزعامة الاتحاد السوفييتي, ما مهد الطريق للحرب الباردة, بينهما (محور القراءة التالية),ولكن وقبل الشروع في هذا المحور لا بد من الإشارة إلى الدور الأمريكي, والاستفادة التي حققتها أمريكا من هذه الحرب. بعد أن أصبح ملايين الأوروبيين في أعقاب الحرب لاجئين بدون مأوى, وبعد انتشار الفقر والبطالة, وظهور المجاعات, وبعد أن تدمر الاقتصاد الأوربي, لجأ الاتحاد السوفيتي إلى استغلال تلك الأوضاع لمد المعونات هناك, وتوسيع دائرة الحركات الشيوعية في البلدان المتضررة، سعياً إلى بسط النفوذ السوفيتي فيها, الا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم يرق لها الزحف الشيوعي, وسعت لاحتواء وتحجيم هذا المد, من خلال خطة الانعاش الاُوروبي, المسماة بمشروع "مارشال" الذي أعلن عنه رئيس هيئة أركان الولايات المتحدة الأمريكية "جورج مارشال" 5 يونيو من العام 1947, والذي يعتمد على إنعاش اقتصادات الدول الأوروبية التي تضررت من الحرب, والتي قدرت بـ 13 مليار دولار . 

أهداف(مشروع مارشال )

أ‌- قطع الطريق على المد الشيوعي في أوروبا . 

ب‌- المحافظة على مبدأ الرأسمالية في اوروبا ,ومنع شيوع مبدأ الاشتراكية . 

ت‌- ربط أوروبا بالولايات المتحدة الأمريكية اقتصادياً ,وسياسياً, وعسكرياً. ث‌- فرض الهيمنة الأمريكية, وخلق تكتل أوروبي يسير خلف الزعامة الأمريكية .


3- الحرب الباردة (Cold War) 


تعتبر الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي, هي الفترة الممتدة ما بين الأعوام 1945 - 1991م , حيث دارت رحاها بين العملاقين منذ أن شارفت الحرب العالمية الثانية على الانتهاء, حتى مطلع التسعينيات,(الفترة التي إنهار وتفكك فيها الاتحاد السوفيتي), وذلك على أثر تصارع القوتين على النفوذ والسيطرة على العالم ما بعد الحرب ,حيث أراد السوفييت من ناحيتهم ضم بعض الأراضي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، في المقابل سعت الولايات المتحدة للحد من الأطماع السوفييتية، لتبدأ الندية بالظهور بين الطرفين, من خلال بناء التحالفات السياسية والعسكرية, وتطوير الأسلحة بمختلف أنواعها لكل طرف, والسعي للتقدم في المجال الصناعي, وتطوير التكنولوجيا . 

امتدت الحرب الباردة بين الطرفين في أوروبا الشرقية, وفي دول آسيا, وأفريقيا, وأمريكا اللاتينية, سعى خلالها الاتحاد السوفيتي إلى دعم الحركات الشيوعية في تلك الدول, ومن ناحيتها سعت الولايات المتحدة إلى سياسات المحاصرة والاستئصال للشيوعية وحشد الحلفاء هناك . لقد استمر هذا السباق البارد بين الطرفين سنوات وسنوات, واستمر بين الجانبين في العديد من المجالات, وفي العديد من المحطات, وأخذت أشكال منافسة في مجالات مختلفة, حتى وصل الاتحاد السوفيتي الى تطوير السلاح النووي في العام 1949, فدخل الطرفان في سباق التسليح, وفي الفضاء, الذي أنهك الاقتصاد السوفيتي, ومع مضاعفة الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطها السياسية والعسكرية والاقتصادية على الاتحاد السوفيتي, ومحاولات فكفكة محاور حلفاء الاتحاد "السياسيين", وحالات التجسس على الداخل السوفيتي, وزراعة الجواسيس في صفوف النظام السوفيتي, ومع مجاراة الأخيرة في عمليات سباق التسلح النووي والفضائي مع الولايات المتحدة من ناحية, والمدفوعات الهائلة التي أنفقها على مساندة الحكومات الشيوعية في البلاد المختلفة من ناحية أخرى, بدأ الاتحاد السوفيتي في استنفاذ قواه الاقتصادية, وبدأت ملامح فقد البوصلة والانهيار السوفيتي في العام 1985, وبحلول أواخر الثمنينيات وبداية التسعينيات تفكك وإنهار الاتحاد السوفيتي فعلياً في العام 1991 لينتهي عهد (الشراكة والثنائية القطبية ) فاتحاً المجال للولايات المتحدة الامريكية للتفرد, والتربع على عرش القيادة الدولية سياسياً, واقتصادياً, وعسكرياً, لتصبح بذلك القوة العظمى الوحيدة في العالم حتى يومنا هذا.


جذور الخلاف والعداء الأمريكي – الصيني 

لم تخلُ العلاقة بين الولايات المتحدة والصين الشعبية يوماً ما من الخلافات المتأرجحة والمتباينة, بيد أن هذه العلاقة قد تركزت في ظاهرها بين الود والتعاون أحياناً, وبين التنافس على قضايا تجارية وتكنولوجية واقتصادية أحياناً أخرى, إلا أن باطنها لو دققنا النظر في مسيرتها الطويلة يمكن القول بأنه يكمن في الصراع على موقع القوة العالمية بالدرجة الأساس, وبالنظر إلى جذور هذه العلاقة المتأرجحة بين البلدين فهي ليست حديثة السنوات, بل يعود تاريخها إلى عقود سبقت, سنرصدها في الجانب التالي: بدأت العلاقات المتباينة بين البلدين منذ أن دعت الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الرئيس وليام مكينلي في العام 1897 إلى نهج "الباب المفتوح" مع الصين، إلا أن هذه السياسة لم تلبث طويلاً مع اغتيال هذا الرئيس في سبتمبر 1901، ومع قدوم الرئيس"وودرو ويلسون" (بين عامي 1913-1921) تغيرت الأحوال, حيث تحول الود, والتقارب إلى كراهية, حينما دعمت إدارته في مؤتمر فرساي عام 1919 فكرة إعطاء شبه جزيرة "شاندونغ" الصينية الأصل, التي اُنتزعت من ألمانيا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حسب ما نصت عليه الاتفاقية إلى اليابان، بدلاً من إعادتها إلى الصين, الا أن العلاقات في ظل إدارة الرئيس الامريكي "هربرت هوفر" (1929-1933), وظل إدارة الرئيس فرانكلين"روزفلت" كذلك، 1933–1945) شهدت تحسناً ملحوظاً, حيث قدمتا للصين مساعدات غذائية ليست بالقليلة خلال المجاعة الكبرى في أواخر العشرينيات، وكانت الإدارة الأمريكية قد دعمت حكومة الصين الجمهورية في الصين بزعامة "شيانغ كاي شيك", كما وأن الإدارة الأمريكية قد دعمت الصين الجمهورية ضد اليابان خلال حرب المحيط الهادي، ذلك من خلال إرسال معونات عسكرية قدمتها لها، إلا أن العلاقة عادت وتدهورت بعد مجيء "ماو تسي تونغ" إلى السلطة وتحويل الصين إلى بلد شيوعي, في أعقاب هزم جيش التحرير الشعبي التابع لـ"ماو" خلال الحرب الأهلية الصينية حكومة الكومينتانغ, الوطنية التابعة "لشيانج كاي شيك" المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، على أثرها تغيرت العلاقات بين البلدين, حيث حاربت الصين الولايات المتحدة خلال الحرب الكورية في العام 1950, من خلال وقوف جمهورية الصين الشعبية إلى جانب كوريا الشمالية ضد كوريا الجنوبية المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية, لتحصل كوريا الشمالية على دعم واسع النطاق من جمهورية الصين الشعبية، على أثر ذلك خاضت الولايات المتحدة نزاعاً مسلحاً كبيراً مع جمهورية الصين الشعبية, حيث أمر الرئيس الأمريكي "هاري ترومان" آنذاك الأسطول الأمريكي السابع بالإبحار إلى مضيق تايوان, لمساندة " تايوان" ,لم ينتهي الصراع والصدام إلا عندما تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في 27 يوليو 1953, على جهة أخرى قامت بدعم جمهورية الصين المؤقتة في تايوان لشن حرب عصابات ضد جمهورية الصين الشعبية, وعلى صعيد آخر كانت الصين قد ساندت الشيوعيين في حربهم ضد أمريكا في حرب فيتنام, التي اشتعلت في الأول من نوفمبر 1955, حيث تلقى الجيش الفيتنامي الشمالي الدعم من الصين، بالمقابل كان الجيش الفيتنامي الجنوبي قد تلقى الدعم من الولايات المتحدة، وكوريا الجنوبية . 

في العشرين من شهر كانون الثاني/يناير عام 1955 اقتحم الجيش الصيني الشعبي جزر "ييجيانغشان"، فقام الكونغرس الأمريكي بإصدار أمرِ بالدفاع عن جزر روك البحرية، لتنتهي الأزمة في الأولى في شهر آذار/ مارس عام 1955, بتوقف الجيش الصيني الشعبي عن غزو تايوان . في الثالث والعشرين من شهر آب/ أغسطس عام 1958 حاول الجيش الشعبي الصيني مرة أخرى غزو "تايوان"، فردت الولايات المتحدة الأمريكية بتقديم الدعم لحكومة تايوان, وانتهت الأزمة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1958 بعد تقديم الدعم لحكومة تايوان . في شهر تشرين الأول/ أكتوبر عام 1971 اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بجمهورية الصين الشعبية, وعلى آثر ذلك الاعتراف اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بالصين الشعبية, إلا أن العلاقات بين البلدين لم تستأنف إلا بعد زيارة الرئيس ريتشارد نيكسون لبكين في فبراير لعام 1972.

لقد شهدت العلاقات الصينية - الأمريكية منعطفات حادة, وكثيرة, ومرت بأطوار عدة, ولكنها ظلت ماضية على طريق تمديد جسور البناء والتعاون, فقد تحسنت تحسنًا ملحوظًا في أوائل عام 1979 عندما حولت إدارة الرئيس جيمي كارتر الاعتراف الدبلوماسي من تايوان إلى الصين معترفة بـ"الصين الواحدة"، إلا أنها ساءت في عهد الرئيس "رونالد ريغان" ما بين الأعوام 1981-1989, الذي لم يرق له هذه الوضعية, فبادر الى إعادة كرة اللهب الى حلبة الصدام مرة أخرى, وذلك عندما أمر بزيادة مبيعات الأسلحة إلى تايوان, ما أثار غضب الصين, حيث استمر هذا الغضب, وهذا الشقاق حتى حانت لحظة توقيع البيان بين الصين والولايات المتحدة في يونيو/حزيران 1982، الذي نص على تخفيض شحنات الأسلحة الأمريكية إلى تايوان, ليؤسس هذا لخفض التصعيد بين البلدين, و يحقق السلام والاستقرار في مضيق تايوان, إلا أن هذه العلاقة ما لبثت حتى تغيرت مره أخرى في عهد الرئيس "جورج بوش الأب", الذي تقلد الحكم في1989, حيث أكد " بوش الأب " على العلاقة الاستراتيجية, والتجارية, والثقافية مع الصين, وكان قد تحدث عن التعاون مع بكين في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك حل النزاعات والسيطرة على الأسلحة، والقضايا البيئية والتجارة والاستثمار والعلوم والتكنولوجيا والتعليم, إلا أن العلاقة قد ساءت مرة أخرى, بعد مذبحة ميدان تيانانمين الصينية في يونيو 1989, التي حدثت على أثر مطالبات مجموعات كبيرة من طلاب ومفكري الجامعات والكليات الصينية بإصلاحات اقتصادية وسياسية في البلاد, حيث قام بوش بتعديل توجهاته نحو الصين, وذلك باتخاذ إجراءات عقابية ضدها, وعلى الرغم أن الرئيس "بوش " قد أقر العقوبات إلا أنه حافظ على العلاقات معها طوال فترة رئاسته . بالنظر إلى مسيرة العلاقات الأمريكية الصينية على مدار عقود مضت, وعلى مدار تعاقب مختلف الرؤساء الأمريكيين السابقين على إدارة البيت الابيض, فقد شاب هذه العلاقة سلسلة طويلة من المشاحنات على المستويات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية, وحتى العسكرية التي فرضت أحياناً كثيرة عمليات حشد وعسكرة في مناطق النفوذ بين الدولتين, ما خلق حالة من الاضطراب في المنطقة بأسرها ,وبتدقيق النظر في تفاصيل العلاقة, نجد أن هناك مفارقة عجيبة قد رافقت العلاقة, فقد رأيناها أحياناً كانت على حافة الصدام, وأحياناً أخرى اتسمت كما يقول المثل: بـ( السمن على العسل ), فيا ترى ما السر في ذلك ؟ 

بتسليط الضوء على هذه المفارقات نجد بأن للرؤساء الأمريكيين دوراً كبيراً في صناعة هذه الحالة, على الرغم من أن جميعهم جمعهم هدف واحد تجاه الصين, وهو الخلاص من هذا المنافس الدولي, تلك المفارقات التي من خلالها لم يتفق أيِ منهم على سياسة سلفه, فمثلا في عهد الرئيس "باراك أوباما " نجد أن إدارته انتهجت سياسة تجمع ما بين القوة(الناعمة), والقوة (الخشنة), فالرئيس "أوباما" كان قد أجرى زيارته الأولى للصين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009، لتتعزز الشراكة على أثرها, إلا أن إدارته وبتوجهها نحو آسيا, اعتمدت إستراتيجية تطويق مساعي الصين في جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ, وذلك في إطار القوة الأمريكية الناعمة, من خلال توفير حوافز اقتصادية لهذه الدول لتجعل ارتباطها بأمريكا أقوى من ارتباطها بالصين, وبقيت هذه العلاقة على هذا النحو حتى خروج أوباما من البيت الابيض مع انتهاء فترة حكمة في العام 2016, ومع قدوم الرئيس الجديد " دونالد ترامب " وتقلده مفاتيح البيت الأبيض نوفمبر/تشرين الثاني 2016, شهدت العلاقة نزاعاً عميقاً , عندما تبنت إدارة الرئيس ترامب نهجاً متشدداً إزاء الصين, معتبراً أن الصعود المتنامي للصين على الساحة الدولية يشكل خطراً محدقاً على مكانة وهيبة الولايات المتحدة الأمريكية, وسعى لتوجيه الضربات القاسمة لبكين, تمثلت في فرض الضرائب الجمركية المتتالية، وسعى جاهداً لمنع وصول التقنيات الصينية إلى دول أوروبا, فضلاً عن منع الشركات الصينية من شراء التكنولوجيا الأمريكية, إضافة إلى وقف الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة الأمريكية, وفي هذا الجانب كان "ترامب" قد وقع في 22 آذار/ مارس 2018، مذكرة فرض رسوم جمركية على صادرات صينية إلى أميركا تصل قيمتها إلى 200 مليار دولار، الصين من جهتها قامت بفرض رسوم جمركية على الصادرات الأميركية الى الصين تصل قيمتها إلى 100 مليار دولار, الا أنه مع حاجة كل من ( واشنطن وبكين ) للآخر فقد عقد الطرفان محادثات في 7 كانون الثاني/ يناير 2019، أدت إلى تبريد الصراع التجاري, ولكن سرعان ما فشلت جهود التهدئة, لتعاود ادارة "ترامب" لفرض رسوم جديدة على البضائع الصينية بمليارات الدولارات، لترد الصين بفرض رسوم على البضائع الأمريكية بقيمة متقاربة إلى حد ما، وما لبث عام مضى حتى عادت عاصفة " فرض الجمارك " للهدوء, وذلك بعقد اتفاق تجاري بين الجانبين في الخامس من يناير 2020, بموجبه وافقت الصين على زيادة مشترياتها من المنتجات الأمريكية، بالمقابل تقوم واشنطن بتخفيض الضرائب عن البضائع الصينية, وهكذا دواليك, بقيت العلاقة بين البلدين على هذا المنوال فترات طويلة, حتى وصلت ذروة التنافس بين البلدين مع بروز جائحة كورونا لتعيد كرة اللهب الى المشهد مرة أخرى, حيث التراشقات الإعلامية, ليبدأ "ترامب" باستغلال " الجائحة" استغلالاً سياسياً, حيث لم يخلُ هذا التوظيف من لغة التهديد والوعيد للصين على خلفية كورونا؟؟, ليدخل البلدين في صراع شديد من الاتهامات وتحميل المسؤولية عن انتشار الوباء, وبقي الحال على ذلك إلى أن تم تصديق الكونغرس الامريكي – الخميس 7 يناير/ كانون الثاني 2021النتائج على فوز " جو بايدن" بالانتخابات الأميركية, وانتهاء حقبة الرئيس " ترامب " في20يناير 2021, حين تسلم المرشح الفائز " بايدن " مفاتيح البيت الابيض, دون أن تستطيع إدارته "ترامب" إخضاع الصين, أو (ترويضها) تحت الهيمنة والسيطرة الأمريكية, أو حتى الحد من تمددها ونفوذها الدولي, على الرغم من أن العلاقة قد تعرضت في ظل حقبة الرئيس الأمريكي السابق " دونالد ترامب" لضربات شديدة . 

ويبقى التساؤل مطروحاً حول طبيعة السياسات المتوقع اتباعها من قبل ادارة الرئيس الأمريكي الجديد " جو بايدن " نحو الصين, وإيران, وروسيا الاتحادية ؟


قراءة في سياسات " بايدن " 


بداية : يمكن القول إن العلاقات الأمريكية – الصينية – الروسية, فضلاً عن العلاقة مع الجمهورية الإيرانية قد شهدت مستويات عالية من التصعيد والتهديد الأمريكي طوال الفترات السابقة, إلا أنه أكثر ما شهدته هذه العلاقات من موجات كلامية وإجرائية ضد الخصوم, هي فترة الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب", حيث شهدت فترته موجة عالية من المناكفات التجارية مع الصين, حيث فرضت إدارته تعريفات جمركية على المنتجات الصينية, التي قدرت بمئات المليارات من الدولارات, فضلاً عن العقوبات والقيود على الشركات الصينية, بهدف تطويع "بكين" وإجبارها على تغيير سياساتها التجارية, التي باتت تشكل مصدر قلق للولايات المتحدة, وعلى صعيد العلاقة مع روسيا الاتحادية, لم يختلف الأمر كثيراً, مع الفوارق النسبية, فقد صعد الرئيس السابق " ترامب " كذلك من لهجته تجاه موسكو, وذلك على خلفية العديد من القضايا, أهمها: السباق العسكري والفضائي, والتواجد في اوكرانيا والبلقان, والتواجد في سوريا وليبيا, ومعاهدة ستارت للحد من انتشار الأسلحة النووية, وعلى خلفية الاختراقات الإلكترونية, أما على صعيد العلاقة مع إيران, فقد كان الخلاف الرئيسي وما زال قائماً حول برنامجها " النووي ", وكان الرئيس السابق " ترامب " قد انسحب في العام 2018من( الاتفاق النووي) مع إيران, وكان قد شدد العقوبات على طهران, وصعد من لهجة التهديد ضدها, حتى وصل أواخر أيام حكمه حد تحريك البوارج الحربية, وحاملات الطائرات, والقاذفات الاستراتيجية إلى منطقة الشرق الأوسط . على الرغم من كل هذه التداعيات, وهذه المشاحنات, وكل السياسات والنوايا التي يحملها الزعماء الأمريكيون, على شتى تعددهم, واختلاف سياساتهم تجاه الخصوم, فمن غير المتوقع أن يحدث في ظل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد "جو بايدن " اختلاف جذري في التعامل مع هذه القضايا, ولن تخرج هذه السياسة عن مفهوم( المصالح القومية), إنما سنشهد تحول فقط في النهج والية التعامل, كما درجت العادة, عقب تغيير الإدارات , فمن المرجح أن يكون الرئيس الجديد " بايدن " مختلفاً عن سلفه " ترامب ", وأكثر عقلانية ,على الرغم من عزم "بايدن" على مواجهة الأطراف الثلاثة – سالفة الذكر ( بكين- موسكو- طهران), ولكن بطرق قد تكون أقل حدة وصداماً, أي باعتماد النهج "الدبلوماسي ", ومن خلال الاعتماد والتنسيق مع حلفاء أمريكا, مع الاحتفاظ بسياسة التشدد في قضايا معينة, واللين في أخرى, سيما وأنه ليس من السهل كسر شوكة ثلاثة دول باتت تمتلك القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية, فلن تستطيع الإدارة الأمريكية في الوقت الراهن أن توقف المشروع النووي الإيراني, ولكنها قد تراهن على إطالة أمده على أقل تقدير, ولن تستطيع إدارة "بايدن" كذلك أن توقف التمدد الروسي في العالم, ولن توقف نشاط موسكو الحربي والفضائي, ولن تستطيع كذلك أن توقف التمدد التجاري والنشاط الاقتصادي الصيني حول العالم, ولكنها ستبقى تسعى لإعاقة طموح بكين في الحصول على لقب " أكبر اقتصاد عالمي " . لو راجعنا سياسات الرؤساء الأمريكيين السابقين, لوجدنا أن جميعهم قد جمعهم هدف واحد تجاه الصين وروسيا وايران, وحتى دول أخرى مخالفة للسياسات الأمريكية, وتسعى للتفوق والندية, مثل كوريا الشمالية, إلا أن الفارق بين الرؤساء هو النهج والآليات تجاه هذه القضايا, واللافت هنا, أن أحد منهم لم يستطع حسم أي من هذه القضايا لصالح أمريكا, بل الذي ساد على الدوام, سياسة" التوافق والبحث عن مخارج ", وذلك نظراً لامتلاك الأطراف (الخصوم) أوراق قوة متعددة .


ملخص جذور العلاقة والخلاف بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية 

كما علاقتها المتوترة مع الصين الشعبية, وكوريا الشمالية, والجمهورية الايرانية, فالولايات المتحدة الأمريكية ليست في احسن علاقتها مع الخصم والنقيض الأبرز بعد الصين على الساحة الدولية (روسيا الاتحادية ), هذه الدولة التي تزاحم الولايات المتحدة على المكانة, وتدير معركتها بكفاءة وجدارة, تتقدم بخطى واثقة وناجحة, فمسار العلاقات بين هذين البلدين يؤكد أن التوتّر بينهما له جذوره التاريخية, وله مسارحة التي تتوسع عام بعد عام حول العالم, خلافات متعددة وقضايا متشابكة قائمة بين البلدين, جوهرها يتعلق بالصراع والتنافس على النفوذ. فروسيا التي ترى في الولايات المتحدة الأمريكية العدو القديم , المتسبب في تفكّك وانهيار الاتحاد السوفييتي، منذ منتصف الثمانينيات, الى مطلع التسعينيات, تسعى لإعادة مجدها , وفرض نفسها كقوة دولية فاعلة ومؤثرة إقليمياً ودولياً, وتلعب أدواراً فاعلة في عدة ساحات دولية , في الشرق الأوسط, وفي أمريكا اللاتينية، وتسجل كذلك حضوراً فاعلاً في افريقيا الوسطى, فاق الحضور الفرنسي والصيني هناك- هذا البلد الغني بالذهب واليورانيوم والفوسفات والنفط, فضلاً عن الأوراق الأخرى التي تمتلكها موسكو , فروسيا تقيم علاقات متينة مع طهران, ويمكن ان يكون لها دور مؤثر في تسوية الملف النووي الإيراني, وتقيم كذلك علاقات قوية مع الصين, الدولة الصاعدة نحو الريادة التجارية الدولية, ولها كذلك علاقات مع كوريا الشمالية, وتستطيع ان تؤثر في تسوية الملف النووي كذلك, وتقيم علاقات قوية مع فنزويلا، ولها حضور قوي في الساحة الليبية, وأصبح لديها قواعد عسكرية في سوريا, تعتبر على مقربة من القواعد الامريكية المنتشرة في الشرق الاوسط .

كل ذلك منح روسيا دوراً رئيسيا للعب في قضايا الشرق الاوسط, والشرق الأوروبي كذلك, لتشكل بذلك عائقاً أمام السياسات الأمريكية المتفردة, المعتمدة على فرض القوة , والهيمنة, فبينما تميل موسكو الى حل هذه القضايا من خلال الأمم المتحدة, على قاعدة القانون الدولي, وتسعى لتسوية هذه الصراعات سلمياً, سواء في الملف الفلسطيني, الذي تسعى موسكو لحلة بشكل عادل, ما لا ترغب بذلك واشنطن, أم الملف السوري, الذي سعت واشنطن لا سقاط نظام بشار الاسد هناك. 

قضايا وملفات عديدة أصبحت تتحكم فيها موسكو. بعد مجيء الرئيس " فلاديمير بوتين" في العام 2000, الذي عمل على كسر مبدأ التفرد بالهيمنة والنفوذ الامريكي, إلا أنه, وبالرغم ذلك كله, فموسكو ما زالت تحتفظ بعلاقات متوازنة مع واشنطن في هذا الشأن, دون أن تمس الأهداف والمصالح القومية الروسية, كل ذلك يأتي بالتوازي مع السعي لتطوير الترسانة النووية والصاروخية الروسية, فضلاً عن التقدم نحو تطوير القوة الفضائية . الولايات المتحدة الأمريكية من جهتها ترى في الاتحاد الروسي, القوة النووية ( المنافسة ), و صاحبة حلم عودة الإمبراطورية القديمة, ترى فيها الخصم المزعج, والعائق امام تقدمها, لذا ترفض أن تزاحمها روسيا في هذا الدور، وتنظر الى ذلك بخوف وريبة شديدتين, معتبرة هذا تهديد لهيبتها ومكانتها الدولية, من هنا برزت المناكفات الأمريكية تجاه روسيا, التي ما أن تهدأ عاصفة احدها, حتى يتم إشعال أخرى من قبل أمريكا, في العديد من الجبهات, في مسعى لتطويق القدرة الروسية, ومنعها من التمدد, فمن ناحية تسعى واشنطن لردع موسكو من خلال زيادة الدعم المقدم لحلف الناتو, وزيادة عدد قواته المتاخمة للحدود الروسية, ومن خلال فرض حزم عقوبات على موسكو, بين الفينة والأخرى, ذلك تحت ذرائع متعددة, ليس اقلها الدور الروسي في الأزمة الاوكرانية, والادعاء الامريكي بالتدخل الروسي في الانتخابات الامريكية, فضلاً عن مساندة موسكو لطهران فيما يخص ملفها النووي, سيما وأن موسكو تملك حق النقد الفيتو في مجلس الأمن, ما يمكنها من إعاقة أي قرار أمريكي في هذا الشأن, موسكو تقيم علاقات جيدة مع فنزويلا, قضايا عديدة محل خلاف بين الجانبين, لا يقل فيها معاهدة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى أهميه عن غيرها من القضايا, والبرنامج الفضائي. على وقع كل ذلك تأتي مخاوف واشنطن من مزاحمة موسكو لها, معتبرة اياها تهديداً لنظامها الاحادي القطبي. 

لقد تعرضت العلاقات الروسية - الأمريكية في الأيام الأخيرة لتوتر شديد في اعقاب تقرير الاستخبارات الأمريكية حول التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الامريكية، والإعلان عن عقوبات جديدة ضد روسيا، وتصريح جو بايدن مؤخراً عن بوتين, الذي اعتبر فيه أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "قاتلاً", ليتجاوز بذلك البروتوكولات الدبلوماسية المعمول بها بين الرؤساء, ما دفع موسكو لاستدعاء سفيرها لدى واشنطن, ورد الرئيس بوتين على بايدن بالقول : بأن القاتل هو من يصف الاخرين بذلك . بالنظر للعلاقة بين البلدين, نجد أن بايدن رغم نعتة بوتين بالقاتل, ورد الرئيس بوتين عليه بالمثل, وبالرغم من استدعاء موسكو سفيرها في واشنطن للتشاور, الا ان الجانبين ما زالا مستعدين للتعاون في القضايا الخلافية, بما يصب في "مصلحة" البلدين بحسب ما جاء على السنة كلا الرئيسين . 

ربما يمكن القول بان الدولتين رغم دخولهما مؤخراً في فترة من عدم الاستقرار, ومع احتمالية أن ستستمر الخلافات الروسية-الأمريكية ، واحتمالية تتصاعدها في ساحات النفوذ المختلفة حول العالم, فمن غير المرجح ان يدخل البلدان في المواجهة الفعلية في الوقت الراهن, مع امكانية محافظة الطرفان على بقاء الوضع عند مستوى معين, حرصاً من الجانبين على تجنب المواجهة الشاملة, الا أن المنافسة قد تزداد حدة, مع تبني فرضية تنشيط سباق التسلح , وعودة أجواء (الحرب الباردة) بين الطرفين.

* القراءة " الاقتصادية " 

لقد كان العام المنصرم" 2020 "عاماً صعباً جداً على البشرية جمعاء, وعلى الاقتصاد العالمي, بل كارثياً, فقد شهد العالم وما زال وباءً فتاكاً، أطاح بعجلة الإنتاج والتصنيع في أغلب الدول, وخلق أزمات مالية ودولية عارمة, وخلف اضطرابات اجتماعية جمة, وشل قطاعات حيوية عديده , ما أجبر الدول على اتخاذ قيود صارمة, بهدف معالجة الوباء, والحد من انتشاره, سيما وأنه ألحق خسائر اقتصادية كبيرة في العديد من القطاعات, مثل قطاع الطيران, والسياحة, والفندقة, والتصنيع, وغيرها, تقدر بنحو 28 تريليون دولار، حسبما ذكر صندوق النقد الدولي في آخر إحصائية له في شهر أكتوبر 2020 "https://bit.ly/3pGGs40", ما تسبب في انخفاض حاد في الناتج المحلي الإجمالي للدول, ما شكل عبئا كبيراً عليها, حيث خلق جيلاً جديداً من العاطلين عن العمل, وفيما يستمر الوباء بانتشاره السريع ,ومع دخوله العام الثاني 2021, تتسابق شركات الأدوية الدولية المختلفة على تسجيل لقاحاتها، وطرحها في الأسواق . لقد ساد التفاؤل لدى دول العالم بشأن العودة للحياة الطبيعية, إلا أن الشك والخوف يكتنف غالبية سكان الأرض من فعالية تلك اللقاحات المصنعة, سيما وأن الأخبار التي حملتها الموجات الجديدة من الفيروس وظهور سلالات أخرى متعددة ، لا ينذر بخير .


آراء وتوقعات جهات ومؤسسات دولية لتداعيات وآثار الجائحة على عدة مستويات 


صندوق النقد الدولي: 

في افتتاح اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين, الذي انعقد في واشنطن الأربعاء – 14/ أكتوبر 2020توقعت مديرة صندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفا"، أن تصل خسائر الاقتصاد العالمي جراء جائحة كورونا إلى 28 تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة, ومن جانب آخر, وفقاً لتقرير نشر على صفحة أخبار الأمم المتحدة بتاريخ 13/ أكتوبر أشار فيه إلى أن صندوق النقد الدولي قد توقع أن يكون مستوى الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2021 "متواضعا" بنسبة 0.6% وهي نسبة أعلى من عام 2019، وتشير التوقعات إلى فقدان الوظائف في عام 2021، في كل من الاقتصادات المتقدمة والصاعدة, إلا أن تقديرات صندوق النقد تشير إلى تعافٍ سريع للاقتصاد الصيني، خلال عام 2021، أما بالنسبة للاقتصاد الأمريكي, فقد أشارت التوقعات إلى أن عودة النمو الاقتصادي الأمريكي ستكون صعبة، إذ إن الولايات المتحدة بحسب بنك “جولدمان ساكس” ما زالت تعاني من ارتفاع سريع في أعداد المصابين والوفيات جراء فيروس كورونا, كما أشارت إلى أن الحركة الاقتصادية الأمريكية لن تعود إلى مستويات ما قبل الأزمة قبل النصف الثاني من العام 2021. .

المفوضية الأوروبية

فيما يتعلق بـ" القارة العجوز " أوروبا ,فقد توقعت المفوضية الأوروبية أن يعود النمو بواقع 4.1% إلى تلك المنطقة خلال عام 2021, ما شأنه أن يترك الناتج المحلي الإجمالي في نهاية عام 2021 أقل بنسبة 3٪ تقريبًا من المستوى الذي كان متوقعاً ,فبحسب تقدير المفوضية، فإن الجائحة قد دفعت الاقتصاد الأوروبي إلى كساد هو الأعمق في تاريخ الاتحاد، إذ إن بعض خبراء الاقتصاد أشاروا إلى أن عوامل أخرى ستكبّد اقتصاد الاتحاد الأوروبي, وبريطانيا على حد سواء خسائر كبيرة بسبب الانفصال البريطاني عن الاتحاد . 


الأمم المتحدة :

في تقريرها عن الحالة والتوقعات الاقتصادية في العالم، قالت إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة:(DESA)  أن مسار الجائحة في المستقبل غير معروف، وهكذا هو الأمر بالنسبة للعواقب الاقتصادية والاجتماعية التي ستترتب على ذلك, وكانت إدارة الشؤون الاقتصادية, والاجتماعية, التابعة للأمم المتحدة قد توقعت أن يكون عالم ما بعد كوفيد-19 مختلفا إلى حدّ كبير عما سبقه ,على الرغم من توقع حدوث انتعاش طفيف بنسبة 3.4% في عام 2021. 

البنك الدولي:  

 في تقرير له حول (الآفاق الاقتصادية العالمية )، رصد البنك الدولي توقعاً, باستخدام التقديرات الواردة في تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية الصادر في يناير/كانون الثاني 2021 , بأن عدد الفقراء الجدد في العالم بسبب جائحة كورونا نحو 119 إلى 124 مليون شخص في عام 2020, والمتوقع أن يرتفع عدد الفقراء بسبب الجائحة في عام 2021 إلى ما بين 143 و163 مليون شخص, في جميع أنحاء العالم, منهم نحو 60% يعيشون في منطقة جنوب آسيا, مضيفاً توقعه أن ينخفض متوسط نصيب الفرد من الدخل بنسبة 3.6%، متسببا في سقوط ملايين من الناس في براثن الفقر المدقع . 

منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية:

أوضحت المنظمة، حسب ما جاء في موقعها أن نسبة نمو الاقتصاد العالمي ستبلغ 4.2% في 2021، لكنها ستتراجع في 2022 لتصل إلى 3.7%, وأوضحت المنظمة أن من بين الدول من سيتمكن من العودة إلى مستويات ما قبل أزمة كورونا في نهاية 2021 مثل الصين، ومنها ما سيعاني من مستويات أقل مما كانت عليه بنحو 5% في عام 2022. استعراض حصاد عام 2020حسب ما ورد في صفحة مدونات البنك الدولي الصادر بتاريخ 14/12/2020 بأن جائحة كورونا قد ألحقت  أشد الضرر بالفئات الفقيرة والأكثر احتياجا، وتُنذِر بسقوط ملايين من الناس في براثن الفقر, حيث إن الجائحة أفضت إلى سقوط 88 مليون شخص آخر في براثن الفقر المدقع هذا العام 2020, والرقم مرشح للارتفاع ليصل إلى 115 مليوناً .

مجموعة البنك الدولي 

قالت المجموعة بأن أكبر شريحة من الفقراء "الجدد" في جنوب آسيا، تليها مباشرة منطقة أفريقيا جنوب الصحراء,مردفة بأن للقيود التي فُرِضت لكبح انتشار الفيروس، تأثيرٌ هائلٌ على النمو الاقتصادي, وتنبَّأ التقرير بانكماش الاقتصاد العالمي, ما يدفع بملايين من الناس في هوة الفقر المدقع. 

أعباء الديون:                                                                                      تُضعِف  قدرة البلدان على الاستجابة على نحو فعَّال للتأثيرات الصحية والإقتصادية للجائحة, فقبل تفشِّي الجائحة، كان نصف البلدان منخفضة الدخل تعاني من ضائقة مديونية أو في خطر التعرض لها، ما لا يتيح لها من جراء الجائحة مجالاً يذكر للتحرك على صعيد المالية العامة لمساعدة الذين تضرروا بشدة, والفئات الفقيرة والأكثر احتياجاً. 

التحويلات المالية:

لقد أحدثت جائحة كورونا انتكاسة، على صعيد التحويلات المالية التي يرسلها المهاجرون والمغتربون إلى بلدانهم, حيث لعبت هذه التحويلات فيما مضى دورا مهما في تخفيف وطأة الفقر وتعزيز النمو, لتخلص أحدث التنبؤات إلى أن التحويلات المالية ستنخفض بنسبة 14% بنهاية عام 2021 . 

منشآت الأعمال والوظائف:

لقد أثَّرت الإغلاقات العامة الناجمة عن الجائحة تأثيراً شديداً على منشآت الأعمال والوظائف, حيث تتعرض الشركات - لاسيما المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة في بلدان العالم النامية - لضغوط شديدة، إذ إن أكثر من نصفها من المرجح أن تتخلَّف عن سداد مديونياتها, ما يضطر الشركات إلى تقليص ساعات العمل والأجور، لاسيما الشركات متناهية الصغر والصغيرة في البلدان منخفضة الدخل . و- قطاع السياحة لقد كان قطاع السياحة الأكثر تضرراً من جراء انتشار الجائحة عالمياً، حيث تشهد معدلات السياحة العالمية تراجعاً ملحوظاً عام 2020 بسبب انتشار الجائحة، ويمثل التراجع ما نسبته 3%. وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إن خسارة هذا القطاع نحو 320 مليار دولار، وقد تصل الخسائر إلى أكثر من 900 مليار دولار، بحسب ما ورد في تقرير الأمم المتحدة لعام 2020. 

الرعاية الصحية:

هي إحدى السبل التي تُأثرت بجائحة كورونا, فلقد أبرزت الجائحة حاجة الناس إلى خدمات صحية فعالة ميسورة التكلفة, حيث إن الإنفاق على هذه الرعاية تسبب في مصاعب وأعباء مالية لأكثر من 900 مليون شخص حول العالم، ما قد يدفع حوالي 90 مليون منهم للسقوط في براثن الفقر المدقع سنويا, وفي هذا المجال كان صندوق النقد الدولي قد حذر من تداعيات إنسانية كارثية لتفشي فيروس كورونا على الدول التي تعاني من نزاعات مسلحة, وعدم استقرار سياسي, وضعف في بنية الدولة والبنية التحتية كأفغانستان, وجيبوتي, والعراق, والسودان, ولبنان, والصومال, وقال إنها ترزح تحت ضعف البنية التحتية الصحية . ح - التعليم قبيل تفشِي الجائحة، كان العالم يعاني من أزمة تعلم، خاصة في البلدان منخفضة الدخل والبلدان متوسطة الدخل, لتزداد هذه المخاطر مع إغلاقات المدارس الناجمة عن الجائحة, حيث فرض أكثر من 160 بلداً شكلاً من أشكال إغلاقات المدارس, ما ينذر بالتاثيرات السلبية على التعليم لعدة عقود قادمة, الأمر الذي سينعكس على التحصيل الدراسي في الأمد القريب . 

الإتصالات والإنترنت: 

تُؤكِد الجائحة والإغلاقات العامة المرتبطة بها أن التواصل الرقمي بات الآن ضرورة لا بد منها, حيث أصبح الإنترنت بوابة الوصول إلى الكثير من الخدمات الأساسية مثل منصات الصحة الإلكترونية، والتحويلات النقدية الرقمية، وأنظمة الدفع الرقمي, ما يزيد من الحاجة إلى تعزيز الربط الشبكي, ولسوء الحظ مازال الحصول على خدمات البنية التحتية والاتصالات الرقمية محدوداً للغاية في أفقر بلدان العالم. 

التمييز بين الجنسين:

تُشكِّل الجائحة خطراً بالغاً يُنذر باتساع "الفجوات" بين الجنسين, وأن هذه الفجوات قد تتسع أثناء الجائحة وبعد انحسارها, وقد يؤدي هذا إلى ضياع المكاسب التي حقَّقتها النساء والفتيات على مدى عقود من حيث رأس مالهن البشري، وتمكينهن الاقتصادي، وقدرتهن على التعبير عن الرأي وتمثيلهن, فمع فقدان وظائفهن بمعدل أسرع من الرجال, يزداد احتمال توظيفهن في القطاعات الأشد تضررا بالإغلاقات العامة، ما يعني غالبا افتقارهن إلى الحماية الاجتماعية وشبكات الأمان الأخرى, ومن المتوقع أن لا تعود ما يقرب من 11 مليون فتاة من الجيل الجديد إلى دراساتهن في أعقاب انحسار الجائحة. ل- الأمن الغذائي فضلاً عن التعليم، يتعرض الأطفال من الذكور والإناث أيضاً للمعاناة بسبب الزيادة العالمية في مستويات نقص الأمن الغذائي، وهو ما يؤثِّر على الناس في المناطق الحضرية والريفية على السواء, وتُظهِر مؤشراتنا للتنمية العالمية أنه حتى قبل ظهور جائحة كورونا، كان عدد الأشخاص الذين يعانون من نقص التغذية - وهو مؤشر يتتبع عدد من لا يحصلون على سعرات حرارية كافية- في ازدياد بعد عقود من التراجع, وقد تؤدي الجائحة إلى زيادة العدد الإجمالي لمن يعانون نقص التغذية ما بين 83 مليوناً و132 مليوناً في العالم في 2020. م- الصراع والعنف يعيش اليوم قرابة نصف فقراء العالم في بلدان هشة ومتأثرة بالصراعات, وقد أصبح الفقر أكثر تركُّزاً في هذه الأماكن التي ستكون موطن ما يصل إلى ثلثي الفقراء المدقعين في العالم بحلول عام 2030, ومن المرجح أن تؤدي جائحة كورونا مع انعدام الأمن الغذائي إلى اشتداد تأثير الهشاشة والصراع والعنف في هذه البلدان .

 القراءة " الدينية " 


بداية : أود التوضيح بأن هذه القراءة ليست تشريعاً دينياً مني أنا صاحب هذه الدراسة, ولا هي تأصيلً لفتوى مني في أي جانب من جوانب القراءة, ولكنها محاولة رصد لسلوك بعض النظم والجماعات والأفراد في التعامل مع جائحة كورونا, ومحاولة لبيان فيما إذا كان لذلك علاقة في النمط السائد لدى البعض حول التفسير العلمي والمنطقي وحتى الديني في مثل هذه الأحداث, وفيما إذا كانت هناك تفسيرات متباينة, قد يكون بعضها خاطئاً, سيما وأنه قد رُصد َ في ظل موجة الجائحة في وسائل الإعلام وبعض مواقع التواصل الاجتماعي, وعلى ألسنة بعض العامة الكثير من الاعتقادات والتفسيرات, التي قد يكون بعض منها خضع للمزاجيات والاجتهادات الشخصية, التي لا أساس لها, سيما وأن بعضها تم إخضاعه لنظرية المؤامرة, وأخرى أحالتها بعض الجماعات (الراديكالية ) في المجتمعات الغربية لحالة الاستغلال . 

رأي المسلمون: 

 أ- العامة : 

 برصد الحالة والانطباعات لدى عوام الناس حول فيروس كورونا, فقد ترددت أحاديث متعددة ومختلفة في المجالس والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعية وعلى ألسنة بعض العامة حول هذا الفيروس المستجد, وقد تنوعت تلك الأحاديث ما بين إنسان خائف, وحريص على سلامته ,وإنسان غير مكترث, ومستهتر- لا يولي اهتمامات بإجراءات السلامة, وبين مطلق العنان للنكات, وبين إنسان جاد وحريص على نفسه, وعلى عائلته, ومن حوله . قد لا يكون في ذلك غرابة, فتلك انطباعات وثقافات مختلفة بين البشر, الإ أن الغرابة تكمن في تداول بعض المسلمين معلومات غريبة على العقل والمنطق, فمنهم من قال بأن الفيروس لا يصيب المسلمين بسبب ديانتهم !, ومنهم من عزا أمر الوقاية من الفيروس إلى "اللغة "! . مثال : ما طرحه رئيس جمعية الأمراض المعدية في تركيا "محمد جيهان"، حيث زعم "جيهان"خلال مشاركته في برنامج على قناة(سي إن إن) التركية, أن التحدث باللغة التركية يقلل من انتشار الفيروس! في هذا السياق لا نعلم ما هو الأساس العلمي الذي استند اليه " محمد جيهان " للقول بأن اللغة تحد من انتشار الفيروس, مع العلم بأنه لم يصدر حتى اللحظة أي دراسة علمية موثقة من جهات علمية وأكاديمية, سواء دولية أم عربية أم اسلامية حول هذا الموضوع. مثال أخر: مواقع التواصل الاجتماعي, وأحاديث عامة لفد شاعت بعض الاحاديث على السنة بعض عامة الناس بأن (مجموعة كبيرة من الصينيون ,وأخرون في دول عده يعتنقون الإسلام)على أثر الحالة! هنا ربما يصح القول: (قد تكون العاطفة سيطرت اكثر من المنطق عند أصحاب هذا القول !). 

ب- العلماء : 

1 - الأزهر الشريف:                                                                                نظرًا لما حل بالبشرية من وباء فقد أصدرت هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فتوى نصت على جواز إيقاف الجُمَعِ والجماعات؛ خوفًا من تفشي وانتشار الفيروس , وخوفاً من الفتك بالبلاد والعباد . 


2 - هيئة كبار العلماء في السعودية:  

في بيان صدر عن الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء المسلمين في السعودية الخميس 12/3/2020حيث أوصى البيان المسلمين بوجوب العناية التامة بما تقرره الجهات المختصة في بلدانهم أو البلدان التي يقيمون فيها، التي تهدف إلى المحافظة على الصحة العامة والحد من انتشار وباء كورونا. 

رأي رجال الدين المسيحيين:  

البابا " تواضروس الثاني" بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية في لقاء تلفزيوني, حيث أدلى برأيه في ذلك بالقول: إن انتشار وباء فيروس كورونا في مختلف دول العالم، هو رسالة من الله إلى الإنسان, مضيفاً أن انتشار هذا الوباء رسالة لها جانبان: الأول: أن الله يذكر الإنسان بأنه كائن ضعيف، فكلما كبر الإنسان فى نفسه نسي وجود الله. الثانية: أن الله ينقذ البشر.

ملخص الحالة : 

فيروس كورونا منذ نشأته حتى اللحظة بالمتابعات وبرصد كل المشاهد والشواهد والآراء المختلفة, لم يستثنِ المسلمين كـ(أصحاب ديانة), فقد أصاب هذا الفيروس أصحاب جميع الديانات والأعراق والملل, دون تمييز, وكان لهذا (الفايروس) بالغ الأثر السلبي على عبادات جميع أصحاب الديانات وشعائرهم الدينية, نظرا لارتباط هذه الشعائر بالنشاط الجماعي في أماكن ودور العبادة, سواء المسلمة, أم اليهودية, أم المسيحية, أم غيرها ,فمثلاً: المسلمون تأثرت شعائرهم التعبدية في جميع المناحي والأمكنة, هذا سواء في الصلوات اليومية في المساجد, أم صلاة الجمعة, أم العبادات في شهر رمضان, والأعياد, وحتى العبادات داخل الأسرة الواحدة, فالجائحة كانت قد فرضت أجواء التباعد وتقليص الاعداد في دور العبادة, ولبس الكمامات, وأخذ كل سبل الوقاية,(المتعارف عليه أن الإمام عند إقامة الصلاة يقول : تراصوا, لقد تغير الحال حتى قيل: في ظل الجائحة, ومن باب الحرص على السلامة" تباعدوا"), لم يتوقف هذا الحال عند هذا الحد, فقد وصل الأمر حد إغلاق المساجد والكنس , ومنع الاحتفالات, والأعراس, ومنع إقامة بيوت العزاء (حرصاً على السلامة) ,,,, الخ . * فرضية : " التدخل الإلاهي " بعيداً عن التضخيم, أو التقزيم, وبصرف النظر عن المشاعر والعاطفة, والتحيز, وبعيداً عن كون هذه الفيروس قد تم تصنيعة, قد تكون هناك حقيقة يغفلها الكثيرون أن هذا الفيروس قد استخدمه الله عز وجل جنداً من جنوده لفرض المتغيرات, ولكن في هذا المقام السؤال يطرح نفسه, هل يمكن الاستدلال على ذلك بآيات قرآنية ؟ لا بد من القول إن ما أحدثه فيروس" كورنا " من أثر سلبي دون كوابح, وتفريق بين الديانات والأعراق ,وبعيدا عن جدلية تصنيعه وكيفية انتشاره, فإن من غير المستبعد في ظل فقدان السيطرة الفعلية عليه حتى في ظل تصنيع "أمصال " مضادة, من غير المستبعد أن تكون إرادة الله قد تدخلت لاستخدام هذا الفيروس كجند من جنوده ليسلط به العذاب إن لم يكن الجسدي فهو على أقل تقدير النفسي في بعض المجتمعات, ولينذر الله به حالة السخط التي حلت على البشرية, التي بعض منها قد فاقت بأفعالها كل حدود, من غير المستبعد أن غضب الله قد حل على من كاد أن يقول :( أنا ربكم الأعلى), كيف لا وآيات عديدة يحذّر الله فيها الإنسان من عذاب أليم، و عقاب شديد، إذا تمادت البشرية في الطغيان، وغرقت في العصيان، والمعاصي والذنوب, حيث يقول سبحانه وتعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} [الأنعام:65] ويقول سبحانه {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ } . ربما جاءت الإرادة الالهية في ظل هذه الحالة لدفع أذى, ورد ظلم ما قد وقع من عباده على عبادة, حتى في صفوف المسلمين أنفسهم, سيما وأنهم يعيشون حالة لا يحسدون عليها من الضياع والتشتت والظلم والفرقة, ربما شاءت إرادة الله تغيير هذا الحال الى حال آخر, فلو دققنا النظر في حالة الإغلاقات الحاصلة في جميع الدول, ومنع التجمعات والاختلاطات, لأمكن القول إن الفساد الذي كان مستشرياً في جميع البلاد, في الميادين والمتنزهات, وفي الأماكن السياحية, وعلى الشواطئ, جميعها توقفت في ظل إجراءات الإغلاقات . 

ربما اقتضت حكمة الله أن تشكل هذه الحالة أرضية خصبة لنصرة الإسلام, فما من شيء مستبعد, سيما وأن الجائحة قد أفرزت عدة صور من صور المناصرة للدين الاسلامي وللنبي محمد صل الله عليه وسلم, ووصاياه, دلالات عديدة في هذا السياق, منها على سبيل المثال ما تناولته شبكة "CNN" الأمريكية حيث أفردت مساحة للحديث عن تقرير لمجلة نيوزويك الأمريكية, بتاريخ 17 مارس الماضي ألقت فيه الضوء على مقال الدكتور "كريج كونسيدين " أستاذ علم الفلسفة والاجتماع في جامعة رايس الأمريكية الذي بين خلاله تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم فيما يخص الحجر الصحي والنظافة الشخصية في حالات انتشار الأوبئة، وكان قد أثار هذا التقرير تفاعلاً واسعاً بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي العالمية , ولنا أن نتخيل كم حجم الدعم والإسناد الذي ساقه هذا الدكتور خلال محاضراته المتعددة في الجامعة وفي لقاءات عديدة. 

دلالة أخرى : من خلال مقالة في صحيفة فرنسية, تحت عنوان: لا خوف على المنقبات لأنّهن الأقل عُرضة لفيروس كورونا، حيث إنهنّ لا يتبادلن القُبل للتحية أو يصافحن بالأيدي أو الأحضان, وهي النصائح التي أطلقها المتخصصون لتفادي العدوى. شاهد آخر: حسب ما جاء على موقع الجزيرة نت 12/4/2020 ( دراسة للباحثة " آنا بيالا " في جامعة نورث ويسترن بولاية إلينوي الأميركية: حيث بينت أن كورونا أعاد الاعتبار والاحترام للمنقبات في دول غربية, وأن هناك اختلافاً ملحوظاً في الطريقة التي يتم التعامل بها مع المنقبات في شوارع بريطانيا بعد جائحة كورونا). أمثلة عديدة يمكن سياقها قد تأتي للدلالة على أن شيئاً ما يحدث في ظل جائحة كورونا, ففي أيام خلت شهدنا تحولا ملموسا لسلوك بعض الدول والجماعات الغربية تجاه المسلمين في ظل كورونا, ناهيك عن الأحاديث الجانبية الكثيرة التي يتناولها بعض المواطنين في المجتمع الغربي بخصوص النظافة والحجر الصحي لدى المسلمين وأثرها على تجنب الإصابة بالفيروس, فقد تشكل مثل هذه الحالات وإن صغر حجمها أو موطنها الشيء الكبير لصالح المسلمين ولنصرة ورفعة الاسلام ليتحقق قول الله: { ولَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ }.

على جانب ذي صلة ربما جاءت جائحة كورونا نذيراً لهلاك بعض الطغاة والمتكبرين الذين تعدوا على حقوق الإسلام والمسلمين وحدود الله, وهنا ربما لم يكن المقصود هلاكهم بالمعنى الجسدي, مع التسليم بأن قدرة الله تكمن بين (الكاف والنون )بقدر ما هو إخراجهم من دائرة القبضة الحديدية التي يبطشون بها, حيث آذوا المسلمين كثيرا بأفعالهم , أمثال المتكبر- المغرور " ترامب" وحلفائه "نتنياهو", حيث يأخذنا هذا التوصيف إلى أن نؤمن ايماناً مطلقاً بأن وجود أمثال هؤلاء الطغاة ما هو إلا دورة من دورات الحياة التي لا بد لها وأن تنتهي, ولا بد لهم من زوال كأسلافهم ليتحقق قول الله:{ وتلك الأيام نداولها بين الناس } وقوله تعالى: { ولكل أمة أجل }, وربما ما حدث للمغرور "ترامب" خلال خسارته الانتخابية وخروجه من المشهد السياسي, وما هو متوقع حدوثه لداعمه وشريكه في الظلم والجبروت " رئيس الوزراء الإسرائيلي " نتنياهو " دلالة قاطعة على ذلك, وعليه نقول: انظروا, أين فرعون وهامان وقارون, وأين عاد وثمود؟ وأين حضارات الروم وفارس؟ كيف كانت نهايتهم حينما طغوا، وتجبروا، وظلموا، وتكبروا؟، جميعهم هلكوا, فمن المؤكد يا سادة أنها سنة الآجال وسنة التبديل في هذا الكون .

موجة العنف والكراهية 


منذ تفشي فيروس كورونا، برز خطاب الكراهية والعنف ضد المسلمين في العديد من الدول الغربية, لا سيما في المملكة المتحدة، وإيطاليا، وإسبانيا، واليونان، وفرنسا، وألمانيا, والولايات المتحدة الأمريكية التي ربما كان رئيسها السابق دونالد ترامب قد أسس لهذا الخطاب التحريضي باديء الأمر, وذلك من خلال استخدام مصطلح "الفيروس الصيني" . لقد استخدمت بعض رموز هذه الدول أزمة كورونا لتنشيط نزعة الكراهية والعنف ليس ضد المسلمين فحسب, بل ضد الأقليات المهاجرة من أصول مختلفة، مستخدمين بذلك النزعة القومية المتطرفة, لينتشر بذلك خطاب الكراهية المرتبط بفيروس كورونا على نطاق واسع في العديد من الدول, فقد وظفت جماعات يمينية متطرفة معادية للإسلام وللمهاجرين هذا الفيروس في تلك البلدان لإلصاق التهم بالمسلمين, وإثارة الكراهية ضدهم, حتى ذهب بعضهم إلى حدود الادعاءات بأن المسلمين ينقلون الفيروس, وأنهم يشكلون خطراً معدياً على مجتمعاتهم !!! الأمين العام للأمم المتحد "أنطونيو غوتيريش" في هذا السياق كان قد قال على حسابه عبر " تويتر" بتاريخ ٨ مايو ٢٠٢٠ ,  ((( لا يزال الوباء يطلق العنان لموجة تسونامي من الكراهية وكراهية الأجانب, داعياً لبذل جهد شامل لإنهاء الكلام الذي يحض على الكراهية على مستوى العالم))).

آثار جائحة كورونا على اللغات 

لم تعد اللغات التي تتحدث بها الشعوب تقتصر في مفرداتها ومصطلحاتها في ظل جائحة كورونا على تلك المألوفة, سيما تلك التي تتعلق بالصحة، فقد أدخلت هذه الجائحة بعض المفردات إلى اللغات الدارجة، فيما اكتسبت بعض المفردات مثل التباعد الاجتماعي, والعزل الذاتي, والحجر الصحي وخلافها حيزاً واسعاً في حياة البشرية, مع الإشارة إلى أنه كان لها ارتباطاً وثيقاً بالصحة العامة.  
تقرير "الجزيرة نت" 19/10/2020 في عام 2020 شهد العالم استخداماً لمصطلحات طبية كانت غامضة سابقاً, فمنذ اندلاع جائحة كورونا لم يتوقف قادة العالم عن استعارة تعبير "الحرب" لوصف سياسات التعامل مع انتشار الفيروس المستجد, حتى دخلت المفردات التي نتجت في ظل كورونا القاموس العسكري, فأصبح بعض القادة السياسيين والعسكريين يستخدمون مصطلحات مثل: نحن "نحارب" الفيروس، ولدى أجسامنا آليات "دفاع" ضد مسببات الأمراض التي "تغزوها". في الولايات المتحدة وصف الرئيس الأميركي السابق "دونالد ترامب" نفسه بكونه "رئيسا في زمن الحرب"، وفي مصر أطلق الإعلام تعبير "جيش مصر الأبيض" لوصف الأطباء الذين يتعاملون مع المرض .

تاريخ الأوبئة على مر العصور 


في هذا الملخص سيتم رصد مراجعة تاريخية موجزة حول الأوبئة التي عصفت بالمجتمعات عبر مر التاريخ, وأثارها, وتداعياتها, والأعداد التي أصابها الوباء, والأعداد التي فارقت الحياة بسبب الإصابة, فهناك أجيال قد سحقت بسبب الأوبئة, ومجتمعات تشكلت, وإمبراطوريات سقطت على أثر الجائحة التي كانت قد ألمت بها .  
تقرير صحيفة «ديلي ميل» البريطانية 17 مارس - أكثر الأوبئة فتكًا في التاريخ :

1- الطاعون الأنطوني :

 ضرب الإمبراطورية الرومانية بين عامي 165 و180 ميلادياً، وانتشر في مختلف أنحاء العالم متسبباً في موت 5 ملايين شخص, وهنا يجدر الإشارة الى أن مقالا كان قد نشر في صحيفة واشنطن بوست الأميركية,تحت عنوان (10 أوبئة أشد فتكا عبر القرون أعادت صياغة العالم ) وذكر الكاتب في مقالته إن الأوبئة السابقة أعادت صياغة العالم على نحو شامل بعد أن قضت على مئات الملايين من البشر، وتسببت في انهيار إمبراطوريات، وتصدع حكومات، وإبادة أجيال بأكملها, مشيراً إلى سقوط الإمبراطورية الرومانية بسبب الوباء الذي ضربها. 

2- طاعون جاستينيان " 541 و542" : 

أودى بحياة أكثر من 30 مليون شخص من سكان العالم . 

3- الجدري الياباني :

في عام 735 ظهر الجدري الياباني بطوكيو وانتقل إلى البلدان المجاورة, وأدى خلال سنتين إلى مقتل نحو مليون شخص. 

4- الطاعون الدملي«الموت الأسود» 
انتشر بين عامي 1347 و 1351، وتسبب في وفاة ما يقرب من 200 مليون شخص حول العالم .

5- الجدري : حصد أرواح 56 مليون شخص عند ظهوره في عام 1520. 

6- الكوليرا:  أودت بحياة مليون شخص حول العالم بين عامي 1817 و1923. 

7- الطاعون«الوباء الثالث»:                                                                                                              

في عام 1855 نوع متطور من الطاعون ظهر في مقاطعة يونان الصينية لينتشر لاحقاً إلى جميع قارات العالم المأهولة ويودي بحياة 12 مليون شخص. 

8- إنفلوانزا روسيا " 1889 و1890"                                                                

أدت إلى وفاة مليون شخص، وهو تقريباً نفس عدد الوفيات الذي تسببت فيه الإنفلونزا الآسيوية التي ظهرت في الصين في 1956. 

9- الإنفلونزا الإسبانية:  

تسببت الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 في وفاة ما يقرب من 50 مليون شخص في عام واحد فقط وأصابت ربع سكان العالم. 

10-الإيدز:                                                                                           

أكثر الأمراض فتكاً على مر التاريخ أيضاً، وقد تسبب في موت 35 مليون شخص منذ ظهوره في عام 1981. 

11- إنفلونزا الخنازير:  "2009 و2010" ظهرت في الولايات المتحدة والمكسيك، وانتقلت منهما إلى جميع دول العالم، وأودت بحياة نحو 200 ألف شخص. 

12- إيبولا: انتشر في عدد من البلدان الأفريقية وبعض دول العالم بين عامي 2014 و2016 متسببا في مقتل أكثر من 11 ألف شخص. 

13- سارس: أودى بحياة 774 شخصاً، في حين تسبب «ميرس» في مقتل 828 شخصاً على الأقل منذ 2012.


وجهة نظر استشرافية "مستقبل المنظومة الدولية 

" سيناريوهات " 


 بعيدا عن الدخول في جدلية إذا ما كان الفيروس المسمى بـ " كورونا" قد تخلق نتيجة بيئة ما في بلد ما, أو أنه قد جاء بالأساس من صنع البشر, أو أنه قد تم تطويره في لحظة ما, في مكان ما, أو قد تم تسريبه عمداً, أم أنه قد سُرب خطأ, كما وأنه ليس ذات أهمية في هذا المقام معرفة من صنعه ونشره سواء قيل امريكا, أم قيل إنها الصين, أم غيرهما, المهم أن ندرك أن الأرضية التي يتصارع عليها وما زال أكبر ثلاث قوى دولية, اقتصادياً وعسكرياً, وتكنولوجياً, والتي من خلالها يسعى المتصارعون بسط سيطرتهم, ونفوذهم الدولي, قد حركت في ظل جائحة كورونا (الساكن) منذ عقود, لتصبح وكأنها منطقة "رمال متحركة", قد تعصف ريحها أقدام من هيمنوا وفرضوا السيطرة, فالولايات المتحدة الأمريكية من جهتها تنظر الى أن مسألة السيادة الدولية التي كانت قد حازت عليها منذ ما يزيد عن ستة عقود, ليس من السهولة بمكان التخلي عنها, أو منازعتها فيها, وتسعى جاهدة للحفاظ على هذه المكانة, وفي المقابل يمثل النفوذ الدولي بالنسبة لكل من روسيا الاتحادية - القوة النووية العالمية, وصاحبة حق " الفيتو" في مجلس الأمن, والصين الشعبية, القوة النووية الدولية, وثاني أكبر اقتصاد عالمي, على إنها (مكانة) ما عادَ للولايات المتحدة الأمريكية حق التفرد بها, حيث يرى الطرفان أنهما جديران بالمشاركة بهذه المكانة, إن لم يكون الطموح للتفرد بها, إذ إن بكين وموسكو ترفضان فكرة السكوت على الهيمنة الأمريكية الأُحادية, أو فكرة استبعادهما عن هذا الدور بشكل مطلق, حيث إن الولايات المتحدة الأمريكية تحاول على الدوام عرقلة مساعي كل من بكين وموسكو في الصعود على مسرح الريادة الدولية, إلا أنه, وبالرغم من ذلك, وبالنظر إلى العلاقات الأمريكية مع هذه القوى على مدار عقود مضت, ومن خلال قراءة السلوك الأمريكي – الصيني- الروسي لتلك الفترة, نجد أن تلك العلاقات لم تكن ثابتة ثباتاً مطلقاً, أو ساكنة سكوناً دائماً, وكما أنه لم تصل حدة التوتر بينهما إلى مستويات المواجهة الفعلية, فقد خضعت هذه العلاقات لمبدأ المصالح المشتركة أكثر من التصعيد والمواجهة, بين الأطراف جميعها, واللافت هنا أنها تغيرت بتغير الإدارات والرؤساء, وقد خضعت لمزاجات وحسابات هؤلاء الرؤساء, فعلى صعيد العلاقات الأمريكية-الصينية على سبيل المثال: نجد بأن بكين قد حرصت من جانبها على عدم وصول العلاقة مع الإدارات الأمريكية المتعاقبة لمستويات عالية من التصعيد, فزعماء الصين على الدوام حاولوا استبعاد فرضية" المواجهة الفاعلة" مع الولايات المتحدة, مع الإبقاء على مبدأ( المنافسة), وذلك ليس مرده لضعف القوة والتأثير الصيني, بل للسياسة والاستراتيجية التي تتبناها بكين للمحافظة على مشروعها الاستراتيجي المسمى" الحزام والطريق" الذي أطلقه الرئيس الصيني "شي جين بينغ " عام 2013 , والذي جاء إحياءً للحلم القديم " طريق الحرير " الذي تبنته الصين منذ قرون, وذلك بهدوء وصمت, دون أي معوقات, المشروع الذي ترتأي فيه الصين أنه سينقلها في حال اكتماله لقمة النفوذ الدولي, وبقراءة ومراجعة سياسات الأطراف المتصارعة, وبتقديرات الحالة الراهنة, سأحاول رصد الفرضيات التي ستحدد أمد وشكل التغيير في النظام الدولي، من خلال السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول:( التوافق ) 


أ- على الصعيد " الاقتصادي " 

يمكن القول إن العلاقة بين (الصين والولايات المتحدة الأمريكية ) حكمها قدر كبير من الأهمية الاقتصادي لكليهما, والتاريخ أثبت أن لا أحد من الطرفين يستطيع التخلي عن الآخر في هذا المجال, على الرغم من تذبذب العلاقات, فالصين من جهتها تعتبر السوق الأمريكية أكبر الأسواق العالمية لصادراتها، وبالمقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر أن السوق الصينية مركز ذو أهمية عالية جداً بالنسبة للصادرات الأمريكية، حيث إن السوق الصينية توفر للولايات المتحدة الأمريكية – كما يكشف المراقبون سنوياً عشرات الآلاف من فرص العمل, وكذا بالنسبة للصين, فقد بلغ حجم التبادلات التجارية بين البلدين مليارات الدولارات في العديد من المجالات, مثل: (الطاقة, والتكنولوجيا, والأجهزة الإلكترونية, والطبية, وتصنيع السيارات, والمنتجات الزراعية, والصناعية, والمنتجات البلاستيكية ), والعديد من المجالات الأخرى, فضلا عن ارتباط الأيدي العاملة بهذه القطاعات في كلا البلدين, لذا فإن أي قطيعة بينهما, أو صدام في هذا المجال يسبب انتكاسات اقتصادية لكلا الطرفين, ولطالما أن العلاقة بين الدولتين المتناحرتين(الصين- أمريكا ) لم ترقَ على مدار العقود السابقة لمستوى المواجهة والقطيعة التامة, وحكمها سياسة التوافق, على قاعدة المصالح المشتركة, حيث سعي خلالها كل منهما لنزع فتيل التوترات, من المرجح أن تبقى الدولتان على نفس النهج التوافقي في هذا المجال , خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي الحالي "جوزيف بايدن", الذي أعلن عن سياسة الانفتاح على العالم, وأنه لن ينتهج السياسة (العدائية) التي انتهجها سلفه " ترامب ", ومن المرجح أن يسير الطرفان الأمريكي والصيني باتجاه بناء شراكة وتعاون في هذا المجال, على أقل تقدير على مدار العقد القادم, مع احتفاظ الصين بتواصل بناء مشروعها التجاري العالمي (الحزام والطريق ), وحرصها على بقاء باب المنافسة مفتوح مع الولايات المتحدة الأمريكية, مع إحتمالية إشتداد هذه المنافسة في السنوات القادة, ما لم يحدث متغير يدفع باتجاه تغيير المعادلة القائمة. 

 ب-على الصعيد " السياسي والأمني " 

فضلا عن كون كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين يعتبران شريكين اقتصادياً, لا يمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر في هذا المجال, فإن العلاقات الأمنية والسياسية لكليهما لا تقل أهمية عن ذلك, وهما بحاجة للتعاون المستمر في هذا المجال, سيما وأن كل منهما يمتلك أوراقاً سياسية وأمنية تقض مضاجع الآخر, ويمتلكان العضوية الدائمة في مجلس الأمن, ولطالما أنهما عادة ما يتوافقان في القضايا الاقتصادية, فمن الطبيعي والمنطقي أن يتوافقا في المجال السياسي والأمني, وذلك لحماية هذه المصالح, لذا لا يمكن القفز عن حقيقة أن الطرفين بحاجة للتوافق على حل قضايا عدة عالقة بينهما, سيما وأن كلاهما يؤثر فيها ويتأثر, فالصين من جهتها يؤرقها ملف(تايوان), والولايات المتحدة من جهتها يؤرقها التمدد التجاري الصيني حول العالم, وفيما بينهما (الملف النووي الإيراني), و(الملف النووي الكوري الشمالي), و(بحر الصين الجنوبي), الذي تطرقتُ لهُ آنفاً في سياق الدراسة, وعلى اعتبار أن الصين قوة سياسية كبيرة, ومؤثرة, لها علاقات قوية مع حلفائها (إيران,وكوريا الشمالية) فمن الطبيعي أن تكون الولايات المتحدة بحاجة للموقف الصيني, لمساندتها في تسوية هذه القضايا, فضلاً عن هذا كله فالصين تقيم علاقات متينة مع الاتحاد الروسي, العالق كذلك بقضايا خلافيه مع الولايات المتحدة الأمريكية. الصين كحليفه لهذه الدول تستطيع أن يكون لها دور مؤثر وفاعل , فضلاً عن كونها تمتلك قوة التأثير في أي قرار قد يصدر في مجلس الأمن فيما يخص هذه القضايا , فمن جانبها ترغب الصين في تخلي الولايات المتحدة عن مساندة تايوان, بل تسعى إلى التنسيق والتشاور معها لمساندتها في إعادة تايوان بالوسائل السلمية، ومن جهة أخرى تتخوف من الدرع الصاروخي الأمريكي المنتشر في الإقليم المحاذي لها, وعلى صعيد ذي صلة لديها كذلك مخاوف من إعاقة الجهود الصينية في بحر الصين الجنوبي, ومشروعها التجاري الممتد حول العالم. في المحصلة يمكن القول أن الأطراف جميعاً لها أهداف ومصالح مشتركة, لا بد وأن تستثمرها وتحققها بالسياسية, لطالما تم استبعاد خيار المواجهة .


السيناريو الثاني 
( المنافسة, والحرب الباردة ) 


في ظل استبعاد نشوب حرب معلنة (مواجهة عسكرية ) فيما بين الصين الشعبية, والولايات المتحدة الأمريكية, وحتى بين الأخيرة وروسيا الاتحادية, في المدى المنظور, على الأسس التي ذكرتها آنفاً , وعلى اعتبار أن الأطراف جميعها تضع في الحسبان التكلفة الباهظة لمثل هذه المواجهة, والمصير المجهول إذا ما حدثت ,ليس فقط عليها كأطراف متصارعة, بل على العالم برمته, وفي ظل دفع واشنطن بكل الوسائل خصومها عن هذه المكانة, في مقابل رفص صيني-روسي لهذا المبدأ, حيث يرى الخصوم بأنهم جديري في النفوذ الدولي, أو على أقل تقدير المشاركة به, فمن غير المستبعد أن يلجأ الخصوم ( واشنطن- بكين- موسكو) إلى حرب باردة, وهذا السيناريو الذي أرجحه في الوقت الراهن, حيث ستلجأ القوى المتصارعة الى اتباع سياسة المنافسة والندية الشديدة, وتعزيز شبكة الحلفاء, ودعم الحركات المناوئة لكل طرف, والشركاء في دول مختلفة, بالإضافة الى التسارع في بناء وتطوير المجال العسكري على الأرض, وزيادة الإنفاق في هذا المجال, وكذلك السعي لتطوير المنظومة التكنولوجية, والمنظومة الفضائية لكل طرف, لتدخل الأطراف بهذه الحالة في نفق معتم, وبعيد المدى .


السيناريو الثالث 
( المواجهة ) 

لقد رسمت جميع التفاعلات والمشاحنات والتهديدات ولهجة التصعيد بين الخصوم عبر سنوات عديدة صورة قاتمة لوجه العالم, وأشعلت مؤخراً في ظل (جائحة كورونا ) مخاوف جدية من حدوث اشتباك حقيقي بين " العمالقة ", خاصة فيما بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية, وجعلت العالم يقف يراقب هذا المشهد بتوجس وريبة, سيما وأن أي صدام بين هذه القوى لن يكون أمراً سهلاً, ولا محدود الجغرافيا, أو التأثير, حيث التحالفات والمصالح الدولية المتشابكة بينها تسمح بتوسيع دائرة ونطاق المواجهة, فقد يتحول لصدام عالمي, يتغير على أثرها المشهد الدولي برمته, سيما وأن كل طرف يملك من القوة والحلفاء ما يؤهله لخوض مثل هذه المعارك الكبرى, ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل من الممكن أن تحدث المواجهة الفعلية بين الخصوم في الوقت الراهن ؟ بحسب الوضع الدولي الراهن, وفي ظل التحول السياسي الأخير في الولايات المتحدة الأمريكية, وتبني الإدارة الجديدة (إدارة بايدن ) سياسة الانفتاح, وبحسب المصالح المشتركة بين البلدين, وحرص الصين من جهتها على اكتمال مشروعها التجاري(الحزام والطريق) دون معوقات, أو تشويشات, فمن المستبعد في العقد الراهن, على أقل تقدير أن تحدث المواجهة بين الخصوم, ولكن, وعلى الرغم من ذلك كله, ستبقى العلاقة بين البلدين يحكمها التذبذبات, ما بين المنافسة تارة, والتوافق تارة أخرى, مع عدم استبعاد تصعيد في نبرة الخطاب الإعلامي للأطراف .

خلاصة : 

التاريخ في مسار أحداثه يجيب عن أسئلة عديدة, أهمها أن هناك حقيقة مفادها أنه لا يمكن للأحداث الكبرى في هذا العالم أن تحدث دون أن تُحدث معها تحولاً وتغييراً في التاريخ البشري, ومصالحه, ولا يمكن لها أن تحدث دون أن تعيد تشكيل وصياغة مصالح الدول السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية, سيما وأن هذا التحول يمثل لبعضها فرصاً للصعود, ومكاسب تتعلق بالسيطرة والنفوذ, وأخرى يمثل لها فرصاً لتجديد وتمتين "القبضة" وعلى وقع ذلك تأتي التفاعلات والمشاحنات بين(الباحثين عن مركز الريادة, وبين المتربعين على عرشها), وفي ظل هذه الحالة, وظل السباق على موقع السيادة الدولي ,يمكن التنبؤ بأن سباق " السيادة " هذا سوف لن ينتهي بين الفرقاء ( المتشبثين ,والحالمين ), وأن تداعياته ستستمر لسنوات طويلة, ولكن من المتوقع أن يشهد العالم نهاية هذا السباق, وأخر فصول هذه المنافسة, التي سترسم الوجه الجديد للمنظومة الدولية, مع اقتراب الصين من الانتهاء من بناء مشروعها التجاري الدولي( الحزام والطريق), المرجح الإعلان عن الانتهاء من بنائه, بالتزامن مع احتفال الصين بالذكرى المئوية الأولى لتأسيس جمهورية الصين الشعبية, في العام 2049 .

المصادر :

1- موقع الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة . 
2- وول ستريت جورنال الأمريكية . 
3- صحيفة واشنطن بوست . 
4- وكالة رويترز للأنباء . 
5- الجزيرة نت . 
6- قناة فرانس 24 . 
7- موقع RT.arabic - 
8- صحيفة الجارديان البريطانية . 
9- صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
10- الفاينانشيال تايمز اللندنية . 
11- مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية. 
12- منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية 
13- موقع منظمة الصحة العالمية 
14- صفحة أخبار الامم المتحد 
15- صفحة مدونات البنك الدولي 
16- صندوق النقد الدولي 
17- المفوضية الأوروبية .

 

ليست هناك تعليقات

رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا

إعلان أول الموضوع

إعلان وسط الموضوع

إعلان أخر الموضوع

Back to top button