خمسة أسباب تحول دون تنفيذ "خطة الضم" الإسرائيلية
الكاتب / عبد المنعم ابراهيم
على ما يبدو أن إعلان الرئيس الأميركي "دونالد ترامب"
6/12/2017 الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل, ثم إعلانه في 14 مايو 2018 بنقل السفار الامريكية
الى القدس, واعتراف أدارته كذلك في 25 مارس/ من العام 2019 بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية, قد
جسدت حجم العلاقة الحميمية بين الجانبين , الأمريكي بقيادة"ترامب" والإسرائيلي
بقيادة" نتنياهو" بكل ما
للعلاقة من معاني خبيثة وإستعمارية,والتي توجت بشكل " عطايا "أمريكية لا
مثيل لها للجانب الاسرائيلي وبخاصة لرئيس
وزرائها الذي يتعرض للاتهام بقضايا فساد عدة, ولم تتوقف الهدايا الامريكية عند هذا
الحد , بل استكملت بعطاء وهبة جديدة تجسدت
يوم الاثنين 18/11/2019 من العام الماضي بإعلان الإدارة
الامريكية أن المستوطنات
الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة ليست مخالفة للقانون الدولي،وقد جاء ذلك بلغة
صريحة على لسان وزير الخارجية الأميركي" مايك بومبيو" .
على ما يبدو ان كل تلك العطايا
والهدايا " الترامبية " لإسرائيل قد فتحت شهية رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو " بالإسراع نحو ابتلاع مزيد من الاراضي الفلسطينية
والذهاب نحو فرض السيطرة عليها لصالح الاستيطان والمشروع الإسرائيلي التوسعي ,والقضاء
على حلم الدولة الفلسطينية, ما دفعة وشجعه لا طلاق وعده بضم جميع
المستوطنات وغور الأردن في الأول من يوليو المقبل ,وذلك عقب نجاحه بداية مايو/الماضي في
تشكيل حكومة وحدة وطنية ,والتي جاءت على وقع حالة الطوارئ التي أعلنت بسبب انتشار فيروس كورونا", وفي مسعى منه مؤخراً بالاستعداد
للشروع في تنفيذ خطته اعتقد نتنياهو بأن الوقت قد
سنح فعلياً للبدئ بتنفيذ خطة الضم , وذلك لسببين
اساسيين , الأول : اعتقاد نتنياهو بان المجتمع المحلي والاقليمي الدولي منشغلاً بمواجهة جائحة كورونا وهذا يأهل حكومته بتمرير الخطة
بهدوء وسلام, والسبب الثاني : هو مخاوف نتنياهو
من عدم
تمكن حليفة الأقوى على الاطلاق "الرئيس ترامب " من الحصول على فرصة الفوز بالرئاسة الامريكية في نوفمبر المقبل, وذلك لعدة أسباب - منها
سوء إدارته لجائحة كورونا,
والضغوط والاتهامات التي يواجهها من خصومة وبعض مقربيه , وإحتمالية اعتلاء خصمة "بايدن" سدة الحكم هناك –
الذي أقر علنا بأنه لا يوافق على فكرة الضم .
وفيما تسعى حكومة نتنياهو نحو تنفيذ الخطة تواجه
العديد من المعوقات والعقبات التي من المرجح ان تحول دون تنفيذها ,أو قد تجبرها على التجميد ولو مؤقتاً لحين وضوح الرؤية كاملة وعلى
كل الجبهات , وبالذات الجبهة الامريكية في
ظل معركة الانتخابات القادمة .
وفي هذا السياق سوف ارصد خمسة أسباب قد تحول دون
تنفيذ خطة الضم في الوقت الراهن .
السبب الاول : " الموقف الفلسطيني "
موقف السلطة الفلسطينية الرافض بالمطلق لعملية الضم , وتحركاتها من ناحية سياسياً ودبلوماسياً على المستوى
الدولي والاقليمي , والسعي لحشد الدعم الدولي
لإجهاض خطة الضم والسيطرة والتوسع الاسرائيلي ,وتهديدات القيادة الفلسطينية
من ناحية أخرى بحل السلطة اذا ما تم تنفيذ
القرار ,وهذا يعني فتح الابواب على الارض أمام كل الاحتمالات لمواجهة هذه الخطة, وإمكانية
العودة لـ( حالة الإشتباك الميداني ) بكل الاوجه والوسائل ولا احد يعلم الى أين
تنجر الأمور .
السبب الثاني : " الموقف العربي " على عمومة بعيداً عن(الشاطحين
) نحو التطبيع .
فقد أجمعت الدول العربية كاملة على رفضها لخطة الضم الاسرائيلي وإن
جاء ذلك في صيغة بيانات الا انه بمثابة رسائل قوية توجه لكل الاطراف ذات الصلة, وقد تفتح الأبواب
لاحقاً لمزيد من الفعل والتحركات التي من شأنها ان تشكل رافعة للجانب
الفلسطيني ,وتشكل سندا له في مشواره
السياسي ,وقد تكبح جماح المهرولين نحو التطبيع في هذه الفترة على اقل تقدير ,وقد
تشل قدرة اسرائيل على توسعة دائرة التطبيع, فقد اعتبرت الدول العربية بأن ضم أي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 يمثل
جريمة حرب جديدة ,وفي هذا السياق فقد تم توجيه رسائل لعدة اطراف دولية مثل في
الاتحاد الاوروبي وامريكا لحثها على الوقوف في وجه المخططات الاسرائيلية والضغط على إسرائيل لإلغاء خطة الضم والاعتراف بدولة
فلسطينية على حدود 1967 "إنقاذا لأمل السلام وحل الدولتين".
السبب الثالث : " الموقف الأردني "
والذي عبر عنة الملك عبد
الله الثاني , حيث أعتبر بانه من المواقف الشديدة جدا والرافضة لفكرة الضم, معبراً
عن سخطه منها, معلناً بان إقدام إسرائيل على
أية خطوات بضم أجزاء من الضفة الغربية، سيؤدي إلى صدام كبير مع بلاده , وان
المملكة تدرس جميع الخيارات, وفي هذا إشارات الى ان العلاقة بين الجانبين الاردني
والاسرائيلي مهدد بالانهيار على اكثر من صعيد ,فهناك اتفاقية سلام منذ العام 1994(وادي
عربة ) , وهناك اتفاقية غاز بين الطرفين , وهناك حدود مشتركة تشكل قلقا للجانب
الاردني في حال تم الضم , ومخاوف اردنية من ان يحيي هذا مفهوم الوطن البديل, مما
يضع حكومة نتنياهو امام خيارات صعبة جدا قد
تصل لقطع العلاقات مع الاردن "
السبب الرابع : "
الموقف الدولي "
بالنظر الى الموقف الدولي العام من خطة الحكومة الاسرائيلية لضم ما
يقرب من30% من الأراضي الفلسطينية بما فيها غور الاردن يمكن القول بانه مجمع على أن هذه الخطة مرفوضة لا نها
مخالفة للقانون الدولي وتقوض عملية السلام في الشرق الاوسط , وكان مجلس الامن قد
عقد جلسة يوم الأربعاء 20-5-2020 بهذا الخصوص حيث حث ممثلو دول الاتحاد الأوروبي إسرائيل على الامتناع عن أي
قرار أحادي من شأنه أن يؤدي إلى ضم أي أرض فلسطينية محتلة, مضيفين بان أي قرار على
هذا النحو سيؤثر على الاستقرار في المنطقة والعالم, وعلى جانب ذي صلة فقد اعلن الاتحاد الأوروبي حسب
منسقة الشؤون الخارجية للاتحاد "موغريني"عن الموقف الرافض
للاستيطان، وفي
هذا السياق كذلك فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة على ممارسة الضغط على اسرائيل لمنع تنفيذ الضم، والتأكيد
على انه ستكون هناك عواقب وخيمة على اسرائيل في حال التنفيذ, ومن ناحيته فقد حث
المحقق الحقوقي في الأمم المتحدة "مايكل لينك " ، في بيان له يوم الجمعة
الاتحاد الأوروبي الى النظر في إجراءات الضم التي تنوي إسرائيل تنفيذها مطالبا بتشديد التحذيرات الأوروبية ومعاقبة إسرائيل على ذلك ,ومن
جهته فقد أعلن المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط "نيكولاي
ميلادينوف"، بأن قرار الضم سيضر بآفاق السلام، ويشجع التطرف وعدم الاستقرار في
المنطقة.
فهل حكومة " نتنياهو " مستعدة للتعامل مع كل هذه التحديات وتعرض مصالحها
للخطر والعقوبات والمقاطعة مع هذه الأطراف ؟!!!.
السبب الخامس : "
الحالة الامريكية "
لا بد من القول بأن الولايات المتحدة الامريكية - الحليف الرئيسي لإسرائيل
وعلى الرغم من أن رئيسها الحالي " دونالد ترامب " قد أسدى لها الكثير من العطايا الذهبية , ومع أنه ومن حيث المبدأ موافق على
خطة الضم ,على إعتبار انها جزء من " صفقة القرن المزعومة " ,وعلى
إستعداد كذلك لمنحها المزيد من الهدايا ,
إلا ان هذا الحليف يمر بظروف قاسية في
الوقت الراهن قد تمنعة من إعطاء حكومة نتنياهو
الضوء الأخضر لتنفيذ ذلك ,وهنا ساجل جانبين من هذه الحالة الممتنعة.
الاولى : الاوضاع التي تمر
بها الولايات المتحدة الامريكية في ظل جائحة كورونا وفقدان ادارة ترامب السيطرة
عليها حتى الان والخسائر الاقتصادية الجمى التي لحقت بامريكا جراء ذلك ,
والاتهامات التي تلاحقة في هذا الجانب .
الثاني : لعبة الانتخابات الرئاسية المحتدمة بين الجمهوريين والديمقراطيين .
فترامب ذاهب لانتخابات رئاسية
ويواجه خصما شرسا إسمة " بايدن " ومثل هذه الحالة قد بستخدمها الخصم الانتخابي
لصالحة ،،، مع الاشارة الى أن اجتماعاً قد
جرى في البيت الابيض منذ ايام حول هذا الموضوع لم يحضرة ترامب وفي ذلك دلالات بعدم
ايلاء ترامب الاهتمام بهذا الموضوع ,هذا الى جانب انهم خلصوا دون اعطاء اسرائيل موافقة
رسمية للشروع بالضم ،وهذا دليل على ان ادارة ترامب تولي اهتمام للانتخابات القادمة
والتي يواجه فيها هجوما عنيفا من أعضاء سابقون
في إدارته مقربون منه , ينتقدون طريقة إدارته للبلاد, ومنهم من أصدر كتب يفضحون
بها ترامب , فها هو مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون
يصدر كتابا يتهم فيه الرئيس ترامب بارتكاب
أخطاء فادحة , مضيقا في كتابة بانه لا يرى ترامب "لائقا لتولي المنصب"،
وأنه ليست لديه "الكفاءة للقيام بذلك, وهناك كتاب أخر لماري ترامب إبنة
أخ ترامب والذي تهاجمة فيه وتصفه بأنه
"أخطر رجل في العالم"، والمقرر إصدارة في نهاية يوليو القادم ، أي قبل
3 أشهر من لعبة الانتخابات القادمة , ما
يعني بأن الوقت يضيق على " ترامب " لإنقاذ نفسة , كل هذه التفاعلات على
الساحة الامريكية تعني بأنه من غير المنطقي أن يُجيز الرئيس الأمريكي لحكومة
نتنياهو الشروع في عملية الضم في ظل سباقة الانتخابي الذي يحتاج فيه للابتعاد عن أي منغصات قد تشكل
حجر عثرة في طريق فوزة بها , أو أي موقف سلبي ممكن ان يستغلة خصمة بايدن ضدة .
أخيراً :
باعتقادي ان حكومة
اسرائيل برئاسة نتنياهو قد تجد نفسها في ظل جميع هذه المواقف والتفاعلات
المحلية والاقليمية والدولية مضطرة الى إعادة النظر في خطوتها التي تنوي اتخاذها ,
وقد تلجأ الى تجميد خطة الضم حاليا ,ويبقى أمر التنفيذ بحسب تقديري مرهون بنتائج الانتخابات الامريكية مطلع
نوفمبر من العام القادم .
رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا