مقدمة
في ظل الظروف المعقدة التي تمر بها المنطقة, والتي ترافقت وتلت الانتخابات الامريكية ,ومع تزايد وتيربة أفعال وتصريحات الرئيس الأمريكي المنتهي الولاية "دونالد ترامب" في أيامة الأخيرة من الحكم ,وفي ظل الحملة الاعلامية الاسرائيلية المتتالية ضد ايران ومحورها في المنطقة,برزت بعض توقعات ومخاوف المحللين والمتابعين من احتمالية نشوب حرب في المنطقة ,قد تقدم عليها إدارة الرئيس المنهي الولاية " دونالد ترامب" , ضد ايران ,واحال البعض هذا الاحتمال للفترة الأخيرة من ايام حكمة ,والمخاوف من اقدامة على هذه الفعلة, سيما وانه لم يرق له الخسارة التي مني بها في الانتخابات الامريكية الاخيرة,وانه قد يكون السلوك الطائش له تعبيرا عن الغضب الذي اعتلاه اثر الهزيمة,,ومن ناحية أخرى الحديث عن إحتمالية إقدام حكومة نتنياهو المأزوم – الذي خسر الحليف الأمريكي على فعل الامر المشابه ضد إيران ,أو حزب الله ,أو ربما " قطاع غزة",ومما زاد مخاوف البعض من حدوث امر غير محمود هو الاجتماع الاخير – يوم الجمعة الماضية, والذي ضم قادة أركان الجيش الإسرائيلي السابقين(شاؤول موفاز , ودان حالوتس ,وأهود باراك، وموشيه يعالون, وبيني غانتس، وجادي آيزنكوت ، وجابي أشكنازي، مع رئيس الاركان الحالي "كوخافي" ،حيث جاء هذا الاجتماع على اثر اغتيال العالم النووي الإيراني "محسن زاده ", كل هذه التصرفات ,وهذه الهجمة الإعلامية , والتخبطات التي يمارسها الطرفان( ترامب- نتنياهو) قد تشي للبعض بأن احداهما او كلاهما ذاهب باتجاه فعل ما , ربما تكون كل هذه التخوفات مشروعة,ولكن قبل الجزم بها وباي فعل قد يحدث لابد من قراءة المشهد من جميع الزوايا, لكي نرى إن كان ممكن حدوث ذلك أم أن الامر لا يعدو كونة " فقاعات غضب ,سيما وأن الحدث المحتمل حصوله تبعاته كبيرة وخطيرة ومساحة الاستعداد له ضئيلة قد لا تفي بالغرض ,هذا إن لم تعد بالضرر .
تساولات مشروعة :
1- - هل الرئيس الامريكي "ترامب" معني فعلياً في ايامة الاخيرة ,والتي لا تزيد عن (خمسين يوماً) على شن ضربة ضد ايران او افتعال مواجهة فعلية معها ,وما العائد السياسي منها ؟
-2- هل سيترجم التأهب والاستعدادات,واجتماعت قادة السياسة والأركان الاسرائيلية الى تصعيد ومواجهة فعلية هنا او هناك ؟
3-- هل حزب الله معني بمواجهة ؟
4-- هل فصائل المقاومة في غزة معنية بمواجهة ؟
- - * قراءة المشهد من خمسة زوايا:.
* الإدارة الامريكية :.
المتتبع لسلوك الرئيس " المهزوم إنتخابياً " دونالد ترامب" ,ومحاولاته المتكررة في الطعن بنتائج الانتخابات ,وذهاب فريقة لرفع شكاوى وطعون في اغلب الولايات,,واصرارة على انه هو الفائز برغم الفارق الكبير بينه وبين بايدن,وبالرغم من إجماع الغالبية العظمى من المراقبين والساسة ,وحتى بعض المقربين منه على أنه الخاسر,وأنه يجب عليه التسليم والاعتراف بذلك,والمناكفات والعراقيل التي يضعها أمام المرشح الفائز جو بايدن, يوحي بأن هذا السلوك الغريب الذي لم تعهده امريكا عبر ازمنة جميع رؤسائها السابقين ,لا يخرج الا من عقلية متكبرة - متغطرسة ,تأبى الهزيمة ,وتتشبث بالسلطة والمنصب ,وقد يوحي هذا السلوك من الوهلة الأولى بأن صاحبه ممكن أن يفعل كل شيء مألوف وغيرمألوف ,ولكن بالحسابات المنطقية لا يمكن إستبعاد حساب المكسب والخسارة,وحسابات المصلحة الدقيقة, فترامب على عنجهيته وعطرستة ,لا بد وأن له حسابتة السياسية – الشخصية الدقيقة كذلك ,فمن غير المنطق أن يضحي بمستقبلة ,ورهانه على كسب المعركة مرة أخرى في العام 2024,وأنه يعد العدة لها, لذا ومن هذا الجانب فأنني أستبعد لجوئه " ترامب لخيار "المواجهة"مع ايران,أو حتى شن ضربة محدودة ضدها ,وذلك ليس لضعف القوة ,إنما لسببين .
الأول: الحسابات
العسكرية .
المواجهة مع
ايران في ظل هذه الظروف ,وما تبقى لترامب من وقت قد تقضي على حلمة بإعادة النهوض
,فمن ناحية ايران لن تقف صامتة لو اشتعلت المواجهة, ولا احد يعلم إن بدأت المواجهة
كيف تنتهي .
الثاني :
الحسابات السياسية :.
اعتقد ان ترامب سيركز جهوده بعد تسليم الرئاسة على الاعداد والتجهيز لخوض الانتخابت القادمة 2024,وسيحاول تجميع قواه ,وسيعمل على جلب مزيد من المناصرين له استعدادا للقادم , وهنا تبرز حساب الناخب الامريكي الذي يعول عليه ترامب في ترشحه القادم ,هذا الناخب الذي لا يولي اهتمام للمواجهة والحروب الخارجية بقدر ما يولي اهتمام للفكاك من الوباء ,واصلاح الانهيار المعيشي الحاصل له, وهنا,وفي هذا السياق قد يأتي تصريح ترامب حسب ما أوردت شبكة NBC الامريكية / بأنه ينوي الاعلان عن ترشحة لانتخابات 2024 في نفس اليوم الذي سيجري فيه تنصيب بايدن في هذا السياق .
* حكومة نتنياهو : بالنسبة للحالة الاسرائيلية, لو نظرنا لوضع
وحالة رئيس الوزراء الاسرائيلي " نتنياهو " الحالية ,هل يجرؤ على
الاقدام على شن هجمة عسكرية على ايران في الوقت الراهن ,او حتى على حزب الله ,أو
قطاع غزة,انا اعتقد ان الجواب لا - والسبب البسيط في ذلك أمران : الاول : أن فتح
بوابة المواجهة العسكرية في الوقت الراهن مع اي من الاطراف الثلاثة له حسابات
عسكرية وردود افعال كبيرة وليس بالبساطة التي يتصورها ,وحكومة نتنياهو مكبلة
بمعضلتين اساسيتين 1- الجبهة الداخلية ,والموافقة الامريكية( ادارة ترامب ),التي
هي بالاساس مأزومة ,وتلفظ انفاسها الاخيرة ,ففي الاولى: الشارع الاسرائيلي يشتعل
غضبا ضد نتنياهو لأسباب عديدة ويطالبه بالرحيل على خلفيات عديدة لها علاقة بالتعامل
مع كورونا ,وقضية الخواصات,فضلا عن قضايا
الفساد والمحاكم التي تطاردة,والوضع الاقتصادي المتدهور والاغلاقات .
* ايران : حول سلوك ايران في التعامل مع هذه القضية ,والتهديدات المتتالية, لو نظرنا لردات فعل ايران على كل ما سبق في تعامل ادارة ترامب وحكومة نتنياهو معها ,نرى بان الحكومة الايرانية قد تعاملت مع هذه القضايا بحكمة بالغة ,ولم تنجر وراء التحرشات ,حتى في ذروة التصعيد والاغتيالات ,والسبب يعود الى أن ايران لا تريد افشال مشروعها النووي ,وهي تستثمر الوقت والاحداث على رغم من مرارتها وخسارتها الفادحة وتسابق الزمن لبناء وتطوير منظومتها النووية ,التي ترى بأنها ستوصلها لأعالي المكانة والنفوذ,ولو دقننا فيما مضى ,نرى كيف أن ايران صمتت على كل الاغتيالات السابقة لعلمائها وقادتها العسكريين ,ولم تقم بالانتقام بما يليق بمكانتهم ,سوى بعض التصعيد الكلامي والوعيد بالرد( في الوقت والمكان المناسبين ), بدأ من العلماء النوويين - مسعود محمدي، ومجيد شهرياري، وداريوش رضائي نجاد ,وومصطفى أحمدي روشن- في طهران خلال الأعوام 2010-2012 ،مروراً بقاسم سليماني الذي أغتيل في 3 يناير 2020، وأخيراً إغتيال العالم النووي "فخري زاده"الذي مثل اعلى المناصب وابرز العقول النووية في ايران,ولو تتبعنا ردود افعال ايران على مقتله ,لوجدناها لم تتجاوز حدود التهديد والوعيد حتى اللحظة,وباعتقادي لن تخرج ايران عن هذا السياق ,ولن تحول قضية " زادة " لمواجهة مع اي طرف لذات السبب الذي ذكرته انفاً, إنما دأبت نحو سن قانون " رفع التخصيب " واعلنت حجب النووي عن المفتشين (منع المفتشين ), كرد على عملية الإغتيال .
* حزب الله :
الاداة الايرانية في المنطقة لن يخرج من
العباءة الايرانية ,ولا عن سياق التحكم الايراني وسياسات وتوجهات المستويات
السياسية لايران , وسيبقى في ذات الدائرة
واللعبة الايرانية .
* قطاع غزة : الحلقة
الأضعف , حدث ولا حرج ,, فغزة بكل مكوناتها الفصائلية والشعبوية وعلى رأسها حماس
المتحكم الاوحد ,غير معنية بمواجهة او تصعيد مع اسرائيل في الوقت الراهن (حصار-
وباء يتفشى – اغلاقات- انهيار اقتصادي , الخ ) .
خلاصة :
إذا كانت إدارة ترامب في ايامها الاخيرة غير معنية بالتصعيد والمواجهة, للأسباب التي ذكرناها انفاً, وإذا كانت حكومة " نتنياهو " لا تملك القدرة ولا الضوء الأخضر الأمريكي , لشن هجوم كبيرعلى ايران او في أي اقليم من اقاليم المنطقة ,وإذا كانت الفصائل الفلسطينية (سترك يارب ) ,وحزب الله ( منكفيء ,ويراقب ),فمن المعني بمواجهة ,ولما كل هذه المخاوف وهذه الاستعدادات ؟– الجواب لا أحد معني ,فالفترة الزمنية (الرمادية) التي يعيشها الجميع لا تسمح بمثل هذه الفعلة ,وكل ما نراه ,أو نسمع عته يأتي في سياق التعاملات المنطقية للاحداث ,إذاً ما هي حدود الحالة والحدث المرتقب يا ترى ,,, بإعتقادي لن تكون مواجهة او حرب ,وكل ما يفعلة ترامب ونتنياهو ما هو الا محاولات لرمي العصي في دواليب ادارة بايدن القادمة ونصب الافخاخ والمعيقات امامها, ومحاولات لمنعة من اعادة النشاط السياسي والعلاقات مع ايران – لا سيما (الإتفاق النووي الإيراني لعام 2015) , الذي انسحبت منه ادارة ترامب 08 مايو 2018 .
ولكن من غير
المستبعد أن تشهد المنطقة في هذه الفترة (الحساسة والخطرة ) باقاليمها الملتهبة
الخمسة (ايران- لبنان- العراق- سوريا- قطاع غزة ) بعض الاغتيالات الاخرى ,سواء
شخصيات سياسية او امنية او عسكرية.
أعتقد بأن الجميع
يقف بحذر ويراقب, والكل ينتظر الادارة الأمريكية الجديدة , التي اعلن مرشحها بايدن
بأنه سيتبع سياسة مختلفة عن سياسة " ترامب " ( سياسة الانفتاح).
الكاتب والباحث/ عبد المنعم إبراهيم

رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا