المعركة الدبلوماسية…رياح التغيير
((( الجزء الرابع )))
الكاتب/عبد المنعم إبراهيم
17\12\2009م
إن المتابع للجهود الدبلوماسية الفلسطينية الرامية للذهاب إلى مجلس
الأمن الدولي لاستصدار قرار بترسيم حدود الدولة الفلسطينية, وما رافق ذلك من حالة استقطاب
إقليمية ودولية متباينة, في بعض منها مساند والبعض الأخر متحفظ ,وأخر معترض, في مقابل
حملة إسرائيلية على أعلى المستويات لإجهاض هذه التحركات , يمكنه الاستنتاج بأن السلطة
الفلسطينية بفعل الجهد الدبلوماسي الثابت والمتواصل ,وبفضل الإصرار على الموقف استطاعت
أن تسدد لإسرائيل الضربات الدبلوماسية,بعد أن تمكنت قيادة السلطة من تغيير الواقع السياسي
الذي فرضته إسرائيل في معادلة الصراع طوال خمسة عشر عاما,كما استطاعت هذه الدبلوماسية أن توقع
إسرائيل في مأزق سياسي حقيقي قد يكون
في بداياته إلا أنه كشف حقيقة إسرائيل ونواياها الخبيثة والمزيفة,وأحدث توتراً وخللاً
في علاقاتها مع بعض الدول الأوربية المؤثرة والفاعلة, ووضعتها في قفص الاتهام الأخلاقي
والإنساني على الصعيد الدولي, لا سيما بعد طرح تقرير “جولدستون”في مجلس حقوق الإنسان
,الذي أدان أركان قيادتها بارتكاب جرائم حرب
,وتوالى تسديد الضربات الفلسطينية لإسرائيل ضربة تلو أخرى, وأخذت منحى أخر فمن الحلبة
الإنسانية(مجلس حقوق الإنسان) إلى الحلبة السياسية (مجلس الأمن),حيث أثرت هذه الضربات
سلبا على علاقات الحكومة الصهيونية- الدولية, وكشفت حقيقة نواياها الخبيثة تجاه عملية
السلام والاستقرار في المنطقة ,لا سيما بعد الحملة الدبلوماسية التي قامت بها القيادة
الفلسطينية في دول العالم,والتي طالبت خلالها بتنفيذ استحقاقات عملية السلام ,وتطبيق
ما ورد في خطة خارطة الطريق ,ووقف الغول الاستيطاني,وترسيم حدود الدولة الفلسطينية
حسب ما جاء في الاتفاقات الموقعة مع الإسرائيليين ,فجاء القرار الذي تقدمت به السويد
الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي لوزراء خارجية الاتحاد في الثامن هذا الشهر-القاضي
بوضع مدينة القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية ،والقاضي أيضاً بوقف النشاطات الاستيطانية
,وعدم الاعتراف بالتغيرات التي فرضتها إسرائيل على أراضي 67,جاء هذا القرار ليثبت نجاح
الحملة الدبلوماسية الفلسطينية ,وما تسببتة من توتر ملحوظ في علاقات إسرائيل مع السويد صاحبة القرار,وعلى الرغم من نجاح حكومة “نتنياهو”
الصهيونية وبمساندة أمريكية في الضغط على بعض الدول الأوروبية لتغيير صيغة القرار السويدي,إلا
أن هذا القرار في مضمونه وتوقيته وعلى الرغم من التغيير الذي طرأ عليه بقي على جانب
مهم في معركة الفلسطينيين الدبلوماسية, الداعية إلى ترسيم حدود الدولة الفلسطينية,وبقى
ورقة مساندة وقوية في يد الجانب الفلسطيني يمكنهم من البناء عليها سياسيا في جولة أخرى
من جولات المعركة الدبلوماسية (جولة مجلس الأمن الدولي القادمة), لكن السؤال الذي يطرح
نفسه في هذا “المعترك”-هل حكومة إسرائيل ستقبل ببقاء هذا البركان السياسي الذي أشعلته
القيادة الفلسطينية ,والذي يعصف تدريجيا بالكيان الصهيوني ؟,أم أن هذا الكيان سيقدم
على خطوات لتغير المسار باتجاه أخر؟,وما هي هذه الخطوات ؟,وفي أي اتجاه ستسير؟.
وبرصد الاحتمالات التي ستأول
إليها الأوضاع في حال بقيت القيادة الفلسطينية متشبثة بمطالبها ,واستمرت في
مشوارها وحملتها الدبلوماسية ,وبقيت متمسكة بمواقفها ,مطالبة بتنفيذ ما ورد في خارطة
الطريق ,مستندة إلى مرجعيات عملية السلام,وما ورد في اتفاقية أوسلو ,وأصرت على وقف الاستيطان كأساس للعودة للمفاوضات
,وتحديد جدول زمني للمفاوضات,وإذا ما نجحت القيادة الفلسطينية في الاستمرار بالضغط
على إسرائيل, ونجحت في كسب المزيد من الدعم الدولي الذي سيتضح مفعوله في معركة مجلس
الأمن الدولي القادمة, نستطيع أن نسجل بان الأوضاع تسير في إحدى ثلاث اتجاهات:.
الاحتمال الأول: أن تنصاع حكومة
“نتنياهو” للضغوط ,وتتراجع عن خطواتها الأحادية الجانب ,وتوقف الاستيطان بشكل رسمي,وتدخل
في مرحلة التفاوض على قضايا الحل النهائي بجدول زمني محدد لا يتعدى السنتين ,مع التسليم
بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية التي سيتم الإعلان عنها بشكل رسمي نهاية السنتين القادمتين .
الاحتمال الثاني: أن تتعامل حكومة”نتنياهو” بسياسة “الباب الدوار”,للتهرب
من الاستحقاقات المطلوبة منها فتخرج علينا بمسرحية خداع وتضليل جديدة تتمثل في مشروع
قرار حجب الثقة عن حكومة”نتنياهو”,تتقدم به الأحزاب اليمينية المتطرفة المشاركة فيها
ليصار بعد ذلك إلى إعلان حل البرلمان الإسرائيلي(الكنيست) والذهاب كعادتها إلى انتخابات
إسرائيلية مبكرة ,لتُدخل إسرائيل المنطقة في
حلقة الزمن المهدور من مسلسل تشكيل الحكومة الجديدة, ووضع برنامج سياسي جديد ,إلى ما
هنالك من معيقات ,وهكذا تكون إسرائيل وبشكل ذكي وخبيث قد تهربت من استحقاقات عملية
السلام مرة أخرى .
الاحتمال الثالث: أن يقلب “نتنياهو” الأوضاع رأسا على عقب ويذهب إلى تنفيذ
السياسة التي اتبعها سلفه الهالك شارون عندما اجتاح مدن الضفة الغربية في العام الفين
وعطل الحركة الداخلية في جميع مناطق ومدن الضفة,لخلق حالة ووضع ميداني يتذرع خلاله
بصعوبة الحديث عن المفاوضات مع الفلسطينيين ليوقف عملية السلام عدة سنوات كما حدث في العام الفين, هنا نتوقف لنسأل
في حال تم هذا السيناريو,ما هو دور حركة حماس التي تسيطر على قطاع,هل ستساند أهالي
الضفة الغربية بفتح جبه غزة على مصراعيها ,وتشعل شرارة المقاومة فيها,أم أنها ستقف
موقف المتفرج ,وتستغل الموقف لتمد يدها لإسرائيل كبديل سياسي عن السلطة الفلسطينية؟؟؟؟.
من المؤكد بأن أهل فلسطين لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام أي هجوم صهيوني
على مدن الضفة الغربية ,و سيهبون للدفاع عن كرامتهم وأرضهم كما هبوا في العام الفين
,وقد تشتعل شرارة الانتفاضة الثالثة ولا احد يعلم إن كانت ستتوقف أم لا ,ومن المؤكد
أيضا بان ردة فعل الشارع العربي ستكون كما كانت في مطلع انتفاضة الأقصى لتشكل موقفاً
مسانداً,وستخرج الجماهير العربية للشوارع ,لتشكل موقفاً ضاغطاً على حكوماتها لتخرج
علينا بقمة أو اجتماع طارئ يصدر عنه قرارات ما ,كما وستتحرك الجماهير في بعض العواصم
الأوروبية أيضاً, وفي هذه الحالة سيتبين موقف حركة حماس الحقيقي ,إن كان موقف المتفرج
,أو المساند ,فان وقفت موقف المتفرج ,أو منعت
أهالي غزة من أن يساندوا أهلهم في الضفة الغربية فسوف يسجل التاريخ هذه السابقة
.
رأيكم مهم وهو دعم منكم لنا